هــــدم الاصــنــــام وعــــــــقـــــــلـــــــنة الاخــلاق

كل ما يخص علم الحكمة والفلسفة ومدارسها
أضف رد جديد
السور الاعظم
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 5140
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
البرج: الجوزاء
الجنس: انثى

هــــدم الاصــنــــام وعــــــــقـــــــلـــــــنة الاخــلاق

مشاركة بواسطة السور الاعظم »

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته



الإنسان شيء لابدّ من تجاوزه، لعلّ هذه العبارة هي العبارة الأكثر ترديداً عند
نيتشه وهي الفكرة المركزية في فلسفته، وهذا ما جعله يتطلع إلى تلك المفاهيم التي
تعبّر عن الفلسفة الإنسانية، لكن بأدوات وآليات ميّزته عن سلفه وخلفه ممن تعاطوا مع
الإنسان وفلسفته، وإنّ أهمّ ما ميّز نيتشه هو رفض التعاطي بالإنسان ومعه على قاعدة
القيم والأخلاق التقليدية، بل تجاوز ذلك إلى إبداع مصفوفة أخلاقية خاصة به
(النيتشويه)، فالإنسان الذي لا بدّ من تجاوزه هو إنسان القيم البالية، إنسان
الميتافيزيقية واللاعقلانيّة، وعلى هذا الأساس استندت فلسفته على “قلب القيم”، وهذا
قطعاً لا يعني إحلال السالب عوضاً عن الموجب أو العكس، بل يعني صراحة ًهدم الأصنام
وعقلنة الأخلاق، كي تكون أخلاقاً خارجة ومرتبطة عن هذا الإنسان وبه، وعلى هذا
الأساس أسقط نيتشه مفاهيم عديدة من فلسفته بشكل عامّ، وما يخصّ الإنسان والإنسانية
بشكل خاصّ، ومن هذه المفاهيم: “الله”، “الروح”، “الفضيلة”، “الحقيقة”، “الماوراء”
وغيرها، كي يختزل المفاهيم المحدّدة لهذا الإنسان ذاته.

كيف يصبح المرء (ما هو)؟ بهذا السؤال، أو بهذه الإشكالية إن صحّ التعبير، يبتدئ
نيتشه فلسفته حول الإنسان، وبهذه الإشكالية أيضاً يكون قد لامس الجانب الإبداعيّ في
فنّ حفظ الذات “فنّ إيثار النفس”، وبالتالي فإنّ الخطر يكمن في تعرّف المرء على
نفسه بالنظر إلى تلك المهمّة. أن يصبح المرء(ما هو) يُفترض أن لا يكون لديه أدنى
دراية بـ(ما هو)، ومن وجهة النظر هذه تغدو حتى الأعمال غير الصائبة التي تحدث في
الحياة ذات معنى وقيمة، وكذلك السبل الجانبية والسبل الخاطئة التي يسلكها المرء
لفترة من الزمن، ووقفات التردّد والركون إلى الأوضاع “المتواضعة” والجهود الجديّة
التي تنفق في مهمّات مجانية للمهمّة الحقيقية. وهنا تتجلّى حكمة كبرى، بل الحكمة
الكبرى، ألا وهي “اعرف نفسك بنفسك”؛ فنسيان الذات وسوء فهم الذات وتحقير الذات
(الذات الإنسانية) وأيضاً التحوّل إلى كائن ضيّق الأفق ورديء، تغدو عين الحكمة أمام
القفز إلى الماوراء دون معرفة ماهيّة ما تمّ القفز فوقه، وعليه لا يعتبر نيتشه
هؤلاء (العظماء) المزعومين، والذين ساهموا وما زالوا يساهمون بسنّ الأخلاق والقيم
المحددة للإنسان حتى في عداد البشر فيقول: فهم في نظري نفايات البشرية، ونتاج للمرض
وغرائز الانتقام، إنهم كائنات فظيعة ومضرّة وغير قابلة في جوهرها للعلاج، غايتها
الانتقام من الحياة.

ويطالب نيتشه نفسه بأن يكون نقيضاً لهذا النوع، وأنه رغم (اعتلاله في بعض الأوقات)
- حسب تعبيره - إلّا أنّ ذلك أنتج منه كائناً يخلو من الأمراض، وفي هذا يقول:
“عبثاً سيحاول أيّ كان أن يستشفّ لديّ أثراً للتعصب، كما لن يعثر المرء لديّ على
شيء من هيآت الغرور أو الانتفاخ الحماسي، فالتفخيم الذي ُيضفى على الهيأة لا ينتمي
بحال إلى العظمة، ومن كان بحاجة إلى اتّخاذ هيأة ما فهو مزيّف”. فنيتشه لم يعرف في
ممارسته للمهمات الصعبة من طريقة أخرى غير اللعب، وبأقلّ تكلّف، وببسمة غير متجهّمة
ودون نبرة شديدة في الحلق، وعدّ هذه المظاهر مآخذ ترفع ضدّ الشخص وبصفة أكبر ضد
أثره. فالإنسان الحقّ عند نيتشه، هو ذاك الإنسان الذي لا يدعو إلى العفّة، فالعفّة
حسب وصفه: تحريض عمومي معاكس للطبيعة. كما اعتبر تحقير الحياة الجنسيّة وارتباط هذه
الحياة بفكرة “الدنس” هي جريمة في حقّ الحياة، وإذا ما اعتُبرت خطيئة من قبل
المثاليين، فالخطيئة عند نيتشه هي المثاليّة ذاتها، فالإنسان هو الإنسان الحرّ،
والإنسان الحرّ هو من يمتلك عقلاً حرّاً، أي عقلاً محرّراً استعاد تملكه بذاته،
ومنه فالإنسان المستقيم هو الإنسان الذي يعي نفسه كنقيض لأكاذيب آلاف من السنين.
وليس من اليسير عند نيتشه الوصول لهذه الاستقامة، فمن يرغب بالوصول إليها عليه أن
يكون قادراً على رؤية الكذب ككذب، أي عدم الإصرار على عدم الرغبة في الرؤية الكيفية
التي يتكوّن عليها الواقع في الأساس، وأن ينظر إلى أوضاع البؤس بجميع أصنافها
كاعتراض وكشيء ينبغي إزالته في جميع الأحوال، ومنه أيضاً فالإنسان المبدع عنده هو
الإنسان الذي يجب عليه أن يكون أوّلاً إنساناً “مدمّراً” وأن يحطّم القيم“فالشرّ
الأعظم هو جزء من الخير الأعظم، لكن ذلك هو الخير المبدع”. والإنسان الأرقى في
فلسفة نيتشه هو الإنسان الذي يتمثّل الواقع كما هو، ويمتلك ما يكفي من القوّة لهذا
الغرض، “الإنسان الأرقى ليس غريباً عن هذا الواقع وليس ببعيد عنه، إنه هو ذاته، وهو
ما يزال يحمل في داخله كل فظاعاته وإشكالاته، بهذه الكيفية فقط يمكن للإنسان أن
يكون ذا عظمة”. والإنسان الأكثر حقارةً هو ذاك الذي لم يعد قادراً على احتقار نفسه،
والأحمق هو الذي ما يزال يتعثر في حجر أو بشر، والإنسان القادر على العطاء هو
الإنسان الذي مازال يحمل شيئاً من الفوضى “كي يَلد نجماً راقصاً”.

كما يرى نيتشه أنّ الإيمان ليس كما يُعبّر عنه حاليّاً، أي أنّ المؤمن ليس هو ذاك
الإنسان الذي ينتهي به الأمر إلى قناعة أساسية مفادها بأنه لابدّ أن تُملى عليه
أوامر من الخارج، وبالمقابل فهو يرى الإيمان على أنهما ذاك التصور وتلك الرغبة
بالقدرة على استقلالية القرار، أي حرية إرادة، بموجبها يودّع عقل ما كلّ إيمان وكلّ
رغبة في اليقين، ويكون ذاك الإنسان قد امتلك دربه الخاصة في الحفاظ على توازنه، مثل
هذا الإنسان - يقول نيتشه – سيكون مؤمناً، حراً ومنعتقاً.

هكذا نظر نيتشه إلى الإنسان، وهكذا عرّفته فلسفته الخاصة، انطلق منه وانتمى إليه
انتماءً خاصّاً، انتماءً إنسانياً، متفرّداً، خارجاً بذلك عن القيم والمثل والأخلاق
(ما قبل نيتشه)، والتي يحبّذ هو أن يسمّيها بالقيم المنحطّة، فإنسانية فيلسوفنا
هذا، إنسانية تكفر بالشفقة وتناهض العواطف التجميلية الكاذبة والمخادعة، وهو بذلك
يرفض أن تكون أخلاق الإنسان مستمدّة من الماوراء، وأن يدّعي هذا الإنسان امتلاكه
للحقيقة، كما أكّد دائماً على نسبيتها وهذا ما دفعه إلى “تقويض القيم” حيناً
و“قلبها” أحياناً أخرى، كما دفعه ذلك إلى إطلاق دعوة “هدم الأصنام” في كل العصور
الماضية والمستقبلية.

إنسان نيتشه هو إنسان العقل، إنسان الخير والشر كما يراهما العقل، وتقييم الخير
والشّر عليه أن يكون “تقييماً أرضياً وليس فوق – أرضي”، وهو بذلك يضع الإنسان
ولأوّل مرّة في تاريخ البشرية، بكلياته وتناقضاته موضعاً انسانياً، ومحيطاً إيّاه
بأخلاق جديدة وقيم ومثل إنسانية أرضية، هذه الأخلاق وتلك المثل مشروطة، ليس فقط
بتصالحها مع العقل، بل اشترط ان تكون نتاجه أيضاً ونتاج تداعياته الموضوعية،
فالإنسان وإذا ما أردنا ان نكثـّفه حسب نيتشه لتوضحت لنا ملامحه بتجلٍ سليم: “هو
المحارب الذي يجنّد كلّ قواه وطاقاته الاثباتيّة في الصراع من أجل التطوّر
والتجاوز”. وإنّ أصغر الفجوات لأكثرها تعذّراّ على التجاوز.
 تنبيه مهم : عليك ان تقرأ الشروط عند تقديم اي طلب جديد والا سيتم حذف موضوعك •• اقرأ الشروط ••

صورة العضو الرمزية
محبة الرسول
عضو متميز
عضو متميز
مشاركات: 57
اشترك في: الخميس 30-8-2012 3:06 pm
الجنس: اختار واحد

هــــدم الاصــنــــام وعــــــــقـــــــلـــــــنة الاخـ

مشاركة بواسطة محبة الرسول »

بارك الله فيك

وجزاك الله الف خير على المعلومات القيمة

تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
السور الاعظم
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 5140
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
البرج: الجوزاء
الجنس: انثى

هــــدم الاصــنــــام وعــــــــقـــــــلـــــــنة الاخـ

مشاركة بواسطة السور الاعظم »

اهلا وسهلا بك

صورة العضو الرمزية
محب روحاني
عضو متميز
عضو متميز
مشاركات: 66
اشترك في: الجمعة 17-2-2012 9:27 am
البرج: الحمل
الجنس: ذكر

هــــدم الاصــنــــام وعــــــــقـــــــلـــــــنة الاخـ

مشاركة بواسطة محب روحاني »

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية طيبة للاخت المبدعة السور الاعظم بهذه المواضيع المتميزة

عند قرائتي عنوان الموضوع لاول وهلة , ظننت انه هكذا (هدم الاصنام وعقلية الاخوان )
وتذكرت كلام احد قادة الاخوان الذي يظهر على بعض القنوات المصرية , وهو يقول مهددا : بانهم سيحطمون جميع التماثيل للحضارة الفرعونية , بدعوى انها اصنام تعبد او يخشون انها تعبد من دون الله تعالى .
وقديما قيل شر البلية مايضحك , فهؤلاء بعقليتهم الساذجة ومفهومهم الضحل عن الدين والعقيدة يبعثون على الضحك حينا وعلى الشفقة احيانا , ويبعثون في النفس كآبة عميقة حينا آخر , حين نرى الجهل فاشيا بهذه الدرجة والجهلاء يتصرفون بمنتهى الحماقة , وهم يتصورون انهم يحسنون صنعا .
لقد قلنا في موضوع آخر سابقا ان سليمان بن داؤود عليهما السلام وهو نبي ابن نبي , بنى له النحاتون اشكال رائعة من التماثيل والصور الجميلة , فهل كان النبي سليمان عابدا للاصنام ام انه كان جاهلا بحقيقة الدين والايمان ؟
شر البلية مايضحك , ولاندري انبكي ام نضحك حين نرى هؤلاء الجهلاء يستشهدون باحاديث نبوية وآيات قرآنية لم يفهموا منها الا ظاهر الحديث اوالاية , وتراهم مندفعين منفعلين في كلامهم فكأن الناس كلهم كفرة ومشركون وهم وحدهم عباد الله المخلصين !؟ مثل مفهومهم عن حديث (اشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون) ؟؟؟
انهم فهموا الحديث حسب ظاهر الكلام , فاولئك الذين يشتغلون في مهنة التصوير والفوتوغراف هم اشد الناس عذابا يوم القيامة ؟! وليحذر كل من لديه برنامج فوتوشوب , فانه ايضا مشمول بقائمة المعذبين يوم القيامة ؟!
اذا كان حقيقة الامر هكذا ! ياترى كيف ستمشي امور الحياة في ايامنا هذه , وجميع المعاملات الرسمية تحتاج لصور ؟ وحفلات الخطوبة والزواج تحتاج لصور ؟ بل والتلفزة والانترنت كلها تقوم على الصور بشكل اساسي ! فهل الدين الاسلامي دين جامد متحجر متخلف لهذه الدرجة ؟
يوجد مثل شعبي عراقي يقول : (عرب وين طنبورة وين ) ينطبق على حال هؤلاء الجهلة المتعجرفين . الحديث النبوي (اشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون) , يعني به المجسدة الذين قالوا ان الله تعالى له صورة محددة من وجه وجسد ويدين ورجلين وما الى ذلك . او الذين قالوا ان عيسى عليه السلام هو الله او ان الامام علي عليه السلام هو الله او ان الشمس او الكوكب الفلاني هو الله , وهذه العقيدة (عبادة الكواكب) كانت موجودة زمن نبي الله ابراهيم عليه السلام (فما جن عليه الليل راى كوكبا قال هذا ربي ...) وهذه الاية لاتصف حال ابراهيم عليه السلام في ساعة معينة , كما قال المفسرون ان والدته اخفته في كهف وربته , الى ان بلغ من العمر مرحلة يدرك بها الامور , فخرج من الكهف ذات يوم ولما جن عليه الليل راى ذلك الكوكب , وقال هذا ربي ... الى اخر القصة . لكن الاية تصف حال ابراهيم عليه السلام بين قومه الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة , وكيف انه قام متفكرا في عقائدهم وآلهتهم واحدة واحدة , واستدل على بطلانها بحجج عقلية بسيطة ذكرها القرآن الكريم دون تعقيد . ولذلك تصفه الاية بانه امة من الناس , لانه قام لوحده من بين تلك الامة وتفكر في دينهم ومذاهبهم , فكان اولئك الناس جميعا امة , امة ستة تابع ستين , امة انا وجدنا آباءنا على امة وانا على آثارهم مقتدون , وابراهيم عليه السلام من دونهم امة قائمة متفكرة باحثة عن الحق والحقيقة.
ان الله سبحانه وتعالى لايمكن حصره في صورة معينة , وكل مخلوقاته هي صور من تجلياته , لاتقوم بنفسها طرفة عين , بل هي كلها تشير اليه , كما قالت الحكماء العرفاء :
وفي كل شئ له آية *** تدل على انه واحد
اوقولهم : مارايت شيئا الا ورايت الله معه , وقبله وبعده .
فسبحان من خلق يوسف وجماله , وسبحان من خلق النساء وحسنهن , فالذي ينجذب لذات الشئ فقد وقع في حب الصورة , والصورة من دون الله صنم , ولكن الذي تحركه الصورة ويتذكر الخالق العظيم وينجذب اليه , فذاك الذي اصاب كبد الحقيقة .

اين يوسف عليه السلام وجماله ؟ اين سليمان الحكيم عليه السلام وحكمته ؟ انها صور تظهر وتتلاشى , عبر العصور والدهور , ناطقة بعظمة الخالق الازلي الابدي , الذي لايمكن حصره بصورة من الصور .
سبحان من هو هو سبحان من ليس الا هو

تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
صورة العضو الرمزية
محب روحاني
عضو متميز
عضو متميز
مشاركات: 66
اشترك في: الجمعة 17-2-2012 9:27 am
البرج: الحمل
الجنس: ذكر

هــــدم الاصــنــــام وعــــــــقـــــــلـــــــنة الاخـ

مشاركة بواسطة محب روحاني »

مقولة نيشتة الانسان شئ لابد من تجاوزه , هي نفسها مقولة العرفاء الحكماء المصلحين على مر العصور , لان تربية الانسان وبناء اخلاقه ومفاهيمه ونظرته لما هو صح وخطأ, وحق وباطل ,ومعروف ومنكر ,وحلال وحرام ,هذه الاحكام والمفاهيم تبنى غالبا بناء شاذ غريب وبعيد عن الفطرة الالهية السليمة التي جبل عليها النفس الانسانية , وبين فترة واخرى كان يظهر الانبياء عليهم السلام ليصححوا تلك المفاهيم الخاطئة ويعيدوها لوجهتها الصحيحة ويجددوا ويحيوا الفطرة السليمة , ولكن في كل مرة وبعد مضي فترة من الزمان كان الجهل يظهر ويسود ويسيطر من جديد لتنحرف الفطرة الانسانية مرة اخرى بمفاهيم واراء وعقائد خاطئة جاهلة سقيمة , لتعود الدورة وتكرر من جديد بمبعث نبي يجدد دين من سبقه .
وهذا مانادى به كونفوشيوس قبل نيشته , حيث جعل التخلي عن العقائد الموروثة والتحرر منها شرطا لازما , لبلوغ الحقيقة لمن يطلبها , لانه يستحيل على الطالب او الباحث عن الحقيقة , ادراكها , وفي راسه احكام مسبقة عما هو حق وباطل وصح وخطأ .. ذلك لان غالبية هذه الاحكام او المفاهيم التي اخذناها وورثناها عن آباءنا ومجتمعاتنا , لاتقوم على حقائق علمية صحيحة , بل ان غالبيتها تقوم على الظنون والاهواء , (انا وجدنا آباءنا على امة وانا على آثارهم مقتدون) .
او انها وضعت من قبل الحكام الطواغيت وجلاوزتهم من رجال الدين , بما يحقق لهم المنافع والمصالح الدنيوية , في حين يبقى عامة الناس منومين مغناطيسيا , بتاثير تلك العقائد الفاسدة , ولذلك كان مبعث الانبياء والمصلحين تحريرا للناس من هذه الاغلال التي اسرهم بها اولئك الدجالون , كما ذكر الحق سبحانه عن رسوله صلى الله عليه واله (يضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم )
اما مقولة نيتشة :
((وعليه لا يعتبر نيتشه
هؤلاء (العظماء) المزعومين، والذين ساهموا وما زالوا يساهمون بسنّ الأخلاق والقيم
المحددة للإنسان حتى في عداد البشر فيقول: فهم في نظري نفايات البشرية، ونتاج للمرض
وغرائز الانتقام، إنهم كائنات فظيعة ومضرّة وغير قابلة في جوهرها للعلاج، غايتها
الانتقام من الحياة. ))
هذا الكلام فيه وجهة نظر :
فاما انه ينكر الفضيلة جملة وتفصيلا , والفضيلة نعني بها الغيرية اي ان تحب لغيرك ماتحب لنفسك ولاتكن انانيا لايهمك الانفسك , وفي هذه الحالة يتحول المجتمع البشري الى غابة وحوش ياكل القوي منها الضعيف , من دونما وازع من ضمير اواخلاق ودين , فهذه هي الفلسفة الوجودية او النفعية التي الف بموجبها ميكافيللي كتابه (الامير) , والذي كان يعتبره هتلر قرآنه ودستوره , فتورط بظلاله في مستنقع الحرب العالمية الثانية واجلب الخراب والدمار على شعبه وبلاده .
او ان نيتشة قصد بها رجال الدين آنذاك , الذين كان لهم تدخل سئ في كل صغيرة وكبيرة من حياة الناس , ومعلوم ان الصورة التي اوحى بها الكهنة للاله التلموذي في الكتاب المقدس هي صورة شاذة باطلة عن الله تعالى , وانه اله احمق سريع الغضب كثير السخط لايرضيه الا الدماء والقرابين , وحين اشتد غضبه على الناس بعث بابنه الوحيد اليهم ليجلدوه ويصلبوه , حتى يسكت جام غضبه عن الناس ويرضى عنهم !؟ فهذه العقيدة الخرافية حقا تستحق المقت والازدراء .
ولعل هذا هو مااراده , كما يتضح حين نقرأ كلامه التالي :
((فالإنسان الحقّ عند نيتشه، هو ذاك الإنسان الذي لا يدعو إلى العفّة، فالعفّة
حسب وصفه: تحريض عمومي معاكس للطبيعة. كما اعتبر تحقير الحياة الجنسيّة وارتباط هذه
الحياة بفكرة “الدنس” هي جريمة في حقّ الحياة، وإذا ما اعتُبرت خطيئة من قبل
المثاليين، فالخطيئة عند نيتشه هي المثاليّة ذاتها، فالإنسان هو الإنسان الحرّ،
والإنسان الحرّ هو من يمتلك عقلاً حرّاً، أي عقلاً محرّراً استعاد تملكه بذاته،
ومنه فالإنسان المستقيم هو الإنسان الذي يعي نفسه كنقيض لأكاذيب آلاف من السنين.))
ان العفة عفتان , عفة الهية فطرية , وعفة مفتعلة كاذبة مخالفة للفطرة الالهية
العفة ان لايتجاوز الانسان ويطغى بشهوته فيعتدي على اعراض الاخرين , سواء بنظراته الاثمة (كما يقول المسيح عليه السلام : من نظر الى امراة غيره فاشتهاها في قلبه فقد زنى) او بكلامه وافعاله .
لكن هل العفة تعني ان النظر الى عارضات الازياء وملكات الجمال حرام ؟
هذه هي العفة الشاذة الكاذبة التي يدعو اليها رجال الدين وهم اكذب الناس , لانهم انفسهم لايلتزمون بها , انهم يحللون للغني الزواج من اربعة نساء , والتسري باربعة الاف او ماشاء من النساء , لكن الفقير الذي ينظر ويشاهد امراة جميلة على شاشة التلفزيون , فانه يرتكب اثما ويخالف العفة !؟
ان العفة وسائر مكارم الاخلاق , تفارق معانيها ان لم تبنى على العقل والحكمة القائمة على المنفعة والضرر والسعادة والشقاء . الشجاعة من دون عقل طيش وتهور وحماقة , والسخاء من دون عقل تبذير واتلاف للمال فيما لاينبغي , والرحمة والمحبة من دون عقل تصبح ركون للظالم وتهاون مع الظلم ... وهكذا بقية الامور .
فمكارم الاخلاق مخزنها القلب وقائدها العقل , وانما كمال الانسان ينتج من اجتماع واتحاد قلب نابع بالفضيلة , وعقل يفيض بالحكمة (الرحمن علم القران خلق الانسان)
((كما يرى نيتشه أنّ الإيمان ليس كما يُعبّر عنه حاليّاً، أي أنّ المؤمن ليس هو ذاك
الإنسان الذي ينتهي به الأمر إلى قناعة أساسية مفادها بأنه لابدّ أن تُملى عليه
أوامر من الخارج، وبالمقابل فهو يرى الإيمان على أنهما ذاك التصور وتلك الرغبة
بالقدرة على استقلالية القرار، أي حرية إرادة، بموجبها يودّع عقل ما كلّ إيمان وكلّ
رغبة في اليقين، ويكون ذاك الإنسان قد امتلك دربه الخاصة في الحفاظ على توازنه، مثل
هذا الإنسان - يقول نيتشه – سيكون مؤمناً، حراً ومنعتقاً.))
الايمان القائم على املاءات من الخارج , هو ايمان الببغاوات , ايمان مقلد الشيخ والمرجع والحبر والكاهن , الايمان الحقيقي الصادق يجب ان تنبع من قناعة ذاتية بما ندين به ونفعله , كما قال الحق تعالى :
{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة : 265]
فالذي ينفق ماله تثبيتا من نفسه , لاينفق المال ليدخل الجنة في الاخرة , لكنه مؤمن ومعتقد بصحة مايفعله وان لم تكن لاجنة ولانار ولاحساب ولاكتاب , ماطعم هذي الحياة ان كنت املك الملايين والمليارات , واتنعم بها لوحدي , بينما غيري يتضور جوعا ويكابد الفقر والشقاء والمرض ؟
((هكذا نظر نيتشه إلى الإنسان، وهكذا عرّفته فلسفته الخاصة، انطلق منه وانتمى إليه
انتماءً خاصّاً، انتماءً إنسانياً، متفرّداً، خارجاً بذلك عن القيم والمثل والأخلاق
(ما قبل نيتشه)، والتي يحبّذ هو أن يسمّيها بالقيم المنحطّة، فإنسانية فيلسوفنا
هذا، إنسانية تكفر بالشفقة وتناهض العواطف التجميلية الكاذبة والمخادعة، وهو بذلك
يرفض أن تكون أخلاق الإنسان مستمدّة من الماوراء، وأن يدّعي هذا الإنسان امتلاكه
للحقيقة، كما أكّد دائماً على نسبيتها وهذا ما دفعه إلى “تقويض القيم” حيناً
و“قلبها” أحياناً أخرى، كما دفعه ذلك إلى إطلاق دعوة “هدم الأصنام” في كل العصور
الماضية والمستقبلية.))
ان الماوراء (اي عالم الغيب والروحانيات والحياة الاخرة) يستولي على حياة كثير من الناس بشكل مرضي ومبالغ فيه الى حد كبير ! فالله سبحانه خالق الدنيا والاخرة , وخالق الجسد والروح , ونحن نعيش في هذه الدنيا وعلى هذه الارض , فلنفكر ونسعى جاهدين في اعمارها واصلاحها , بافشاء العدالة الاجتماعية , وعدم احتكار المنافع والمصالح لفئة او جماعة او دين ومذهب او حزب وحركة معينة , وانما الارض يرثها الصالحون , وليس الطغاة الظالمون الجائرون . اما عالم الماوراء , فدعنا منها الان , لنصلح ماهو امامنا اولا , فان صلحت فان الماوراء تصلح حتما , ربنا آتنا في هذه الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار .
من الجدير بالذكر ان عظيم الصين كونفوشيوس لم يكن بالكاد يذكر الاخرة وعوالم الملائكة والماورائيات , لكنه انصب جهوده على اصلاح الانسان الفرد اولا , وكان يقول بصلاح الفرد تنصلح الاسرة وبصلاح الاسرة تنصلح المجتمع وبصلاح المجتمع تنصلح الحكام وبذلك تنصلح الحياة بجميع شؤونها .
لكن ان كان انسانية نيتشة ((تكفر بالشفقة)) وتناهض العواطف التجميلية الكاذبة !!!؟؟؟
هنا نقف وقفة طويلة , لنتساءل : هل ان نيشتة بحكم معاصرته لرجال دين دجالين , قد فقد عقله وانسانيته تماما حتى تحول وصار شيطانا , يدعو الى القسوة ويستهجن الشفقة والرحمة التي هي روح الانسانية ومنها جبلت طينته ؟
القسوة كانت عقيدة ميكافيللي ايضا وقد اوصى اميره بان يجعل الناس يخافونه ولايهتم بكونهم يحبونه ام لا , ونحن نرى هذا التيار الفكري على مر العصور , الذين يجعلون القسوة دينهم وعليها يبنون جميع افعالهم .
ان الشئ بالشئ يذكر , فالقران الكريم على سبيل المثال (ومن قبله الكتاب المقدس) يستطيع الانسان ان يستخرج منها آيات تدعو للقسوة والقتل والعداوات والبغضاء بين بني البشر ! فهل هذا هو الدين حقا ؟
فالخوارج استحلوا قتل الاطفال والنساء الحوامل , بآية ( ولن يلدوا الا فاجرا كفارا )
واحفادهم الخوارج هذه الايام يقتلون الناس بلارحمة بدعوى ( اشداء على الكفار )؟
انه لمن المزري على تاريخ الجنس البشري ان نرى جنود ابليس في مختلف الاديان والاقوام , والبلدان والازمان , يحرفون الافكار والمفاهيم والاديان , ليجعلوها ديانات شيطانية تدعو لقتل الناس بعضهم بعضا وباسم الله والدين و..
((إنسان نيتشه هو إنسان العقل، إنسان الخير والشر كما يراهما العقل، وتقييم الخير
والشّر عليه أن يكون “تقييماً أرضياً وليس فوق – أرضي”، وهو بذلك يضع الإنسان
ولأوّل مرّة في تاريخ البشرية، بكلياته وتناقضاته موضعاً انسانياً، ومحيطاً إيّاه
بأخلاق جديدة وقيم ومثل إنسانية أرضية، هذه الأخلاق وتلك المثل مشروطة، ليس فقط
بتصالحها مع العقل، بل اشترط ان تكون نتاجه أيضاً ونتاج تداعياته الموضوعية))
هنا ايضا نحتاج معرفة الجهة التي يوجه نيتشة اليهم كلامه ؟ فان كان يقصد رجال الدين في زمانه فمقصده واضح , لانه ثائر عليهم , يريد تصحيح مفاهيم الناس وتحريرهم من خرافات رجال الدين . واما ان كان كلامه بشكل مطلق عن مفهوم الخير والشر , فهل يعني بالخير تحقيق المنافع والمصالح للفرد فقط ؟ ام لمجموعة معينة من الناس ؟ كما نرى من امريكا ؟ فالذي يهدد المصالح الامريكية هو شر , ولكنه ان توافق مع المصالح الامريكية هو خير ؟
مثلا صدام حين ضرب الاكراد بالاسلحة الكيمياوية وضرب عرب الجنوب بالاهوار , يومها كان فعل صدام خيرا محضا لامريكا , لان صدام يومها كان صديق امريكا الوفي . ويومها لم نسمع امريكا ولاجمعيات حقوق الانسان تنطق بكلمة استهجان ولو على استحياء .
ولكن حين انقلب السحر على الساحر , وخرج صدام من طوعهم , فجأة اصبح شريرا يشكل خطرا على المصالح القومية الامريكية , ويمتلك اسلحة دمار شامل !؟
هذا هو الدجال بعينه الاعور , الذي يرى الامور من جانب واحد فقط .
ان الخير والفضائل ومكارم الاخلاق , هي تتوافق دوما في كل زمان ومكان مع العقل والروح والعاطفة الانسانية السامية النبيلة , لذلك ينبغي ان نجدد مفاهيمنا عن الاخلاق والايمان دوما بالرجوع الى العقل والضمير , لانهما رسوليين الهيين شاهدين على كل انسان في كل زمان ومكان , وليس النبي الا رسول خارجي لاكمال الحجة .

تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
السور الاعظم
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 5140
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
البرج: الجوزاء
الجنس: انثى

هــــدم الاصــنــــام وعــــــــقـــــــلـــــــنة الاخـ

مشاركة بواسطة السور الاعظم »

شكرا لك اخي الكريم للتعقيب ومااكثر المصطلحات والتعابير المنمقة التي تطلق على الحياة والفضائل والاخلاق والكون والانسان ظاهرها جميل ومعناها اجمل لكن تطبيقها صار ضرب من الخيال حتى من نتكلم تاتينا ردود على الفيس بوك انكم تتفلسفون وصارت الفلسفة عند الناس تطلق على كل شئ غير منطقي

أضف رد جديد

العودة إلى ”الحكمة والفلسفة“