الدين ... وعصر ( اقتحام الفضاء )

كل ما يخص الاديان واساطيرها
أضف رد جديد
farajmatari

الدين ... وعصر ( اقتحام الفضاء )

مشاركة بواسطة farajmatari »

الدين ... وعصر ( اقتحام الفضاء )

إن التغييرات التي حدثت في حياة البشر في القرن المنصرم ( القرن العشرين ) قد فاقت كما ونوعا جميع التغييرات التي حدثت في حياة البشر على مدى آلاف السنين , لقد قدمت العلوم والمخترعات التي ظهرت في القرن العشرين انجازات عظيمة للحضارة البشرية هي أشبه بالمعجزات التي كان يحلم بها الإنسان قديما أو حتى لم يكن يحلم بها على الاطلاق , وان الفضل في هذه الحضارة التي يتمتع بها البشر في عصرنا الحالي انما يعود الى أولئك العلماء العظماء الذين اكتشفوا قوانين الطبيعة فسهلوا على البشرية الاستفادة من الطاقات الموجودة في الطبيعة لخدمة الإنسان وصنع الحضارة والتقدم , ان المعلومات الكثيرة والواسعة التي توفرت للبشر في العصر الحالي عن الكون والحياة والإنسان وكل ما تحتويه بيئتنا لم تكن متوفرة للبشر في العصور السابقة , وهذا يعني ان البشر في العصر الحالي هم أكثر علما ومعرفة من البشر في العصور السابقة .
ان عصرنا هذا يتميز عن جميع العصور السابقة بميزات كبيرة وعظيمة , انه عصر ( اقتحام الفضاء ) وعصر( تكنولوجيا الاتصالات ونقل المعلومات ) وعصر ( الجينوم وهندسة الجينات والتحكم بالخلية الحية ) . في عصرنا هذا تحدث المعجزات , نحن نملك الحقيقة فكيف نتبع من لم يملكها ؟ وكيف نقتدي به ؟
نحن نعيش الألفية الثالثة وانجازات الحداثة في الهندسة الوراثية والتلاعب بالجينات وإنتاج أجنة التناسخ واكتشاف أشعة الليزر في تشخيص الأمراض وعلاجها وزرع الأجنة خارج الرحم، ناهيك عن الثورات الهائلة التي حدثت في مجال معرفة نشوء الكون واصله من خلال أساليب مستقلة لمعرفة تاريخ أقدم النجوم والقفزات العلمية المذهلة في مضمار الحاسوب والبرمجيات والاتصالات والمعلومات.... الخ
إن مسيرة الإنسانية وصلت غايتها من خلال العلم والمعرفة بدرجات متفاوتة من النجاح (النظام العشائري) ثم (القبلي) ثم (نظام المدينة – الدولة) ومؤخراً (نظام الأمة – العالمية)
ولعل أكثر ما يشغل بالنا الان في القرن الواحد والعشرين هو هل كل هذه الأديان على حق، أم على باطل، وكيف لنا أن نعرف الحق من الباطل ونميز أياً من هذه الأديان هو الدين السماوي الذي اراده الله ولا يزال يريده، والذي لم تلعب به يد التحريف ولم تنقضه أصابع الزيادة والنقصان..
ولكن... وإذا أخذنا على عاتقنا مسؤولية البحث عن الحقيقة والنظر في هذه الاديان المتشتتة للتميز بين غثها وسمينها، وتأملنا بكل تجرد وموضوعية لوجدنا ان هنالك تنوعاً هائلا بين البشر في الأفكار والمعتقدات، فمن الهند وبوذا والصين وكونفوشيوس إلى الغرب والشرق والمسيحية وفلسطين واليهودية مرورا بالجزيرة العربية والإسلام، هذا فضلاً عن آراء الفلاسفة وأفكار المصلحين ونظريات العلماء التي لا حد لها ولا حصر.

ما هي حقيقة الدين؟ من أين تبدأ حدوده، وإلى أين يمكن أن تصل مراميه؟ وهل الدين غاية محققة أو تتحقق، أم أنه وسيلة مشاعة وطريق يجب أن يوصل لشيء ما؟
نرقِّعُ ديننا بتمزيق دنيانا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقعُ
يقول الدكتور نهرو طنطاوبي:
إن الدين الذي لا يهذب سلوك وأخلاقيات وألسنة أتباعه هو دين شيطان رجيم وليس دين الله، وإن الشريعة التي لا يلتزم أتباعها بالكلم الطيب والخلق الرفيع والرحمة والصفح والصبر والعفو والحلم، هي شريعة شيطان رجيم، ووالله لولا أني مؤمن بدين الله الإسلام، من قبل أن أشاهد هذه العينات من البشر لما اعتنقت الإسلام حتى لو دخلت النار.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

ولبلوغ الإنسانية هدفها يستلزم حدوث تحول شامل في النظام العقائدي والديني الراهن ليصبح نظاماً قادراً على استيعاب التعددية الموجود في الجنس البشرى بصورة شاملة والاستفادة الكاملة من المجال الواسع لمختلف المواهب والمعارف والعلوم التي طورتها الآف السنين من الخبرات العلمية والتجارب الإنسانية المتراكمة .
لقد تحول الخطاب المُوجّه من الإنسان إلى الله، إلى خطاب مُوجّه من الله إلى الإنسان عبر الإنسان وهو تأكيد للرابط بين الله والإنسان، والعلم والمعرفة أصبحت الآن هو وسيط روحي بين الله والإنسان (وحي ورسالة الهية)، وهو الحقيقة الذي دعا لها جميع الأنبياء سابقا والتي تُحققُ تجسّدها الأكمل في الحقيقة بمعرفة الله والفناء فيه وسلوك الطريق إلي مدينة التوحيد. مريم نور عن بحث الطريق الي مدينة التو حيد

هذا هو الدين.. و هو أكبر بكثير من أن يكون أسم أو حرفة أو وظيفة أو بطاقة أو مؤسسة أو زيا رسميا.

هل " الدين " هو المحاولة المبذولة من جانب الإنسان لتبرير وجود الغير مدرك ، فى هذا الوجود المدرك والغير مدرك معا ...!!! أو أن " الدين " هو الإضطراب النفسى أو الإضطراب الباطنى للإنسان الناتج ، عن وعيه لنفسه ـ ككائن متميز ومختلف عن الطبيعة المحيطة به ـ وبنهايته التى يحدها الموت ، وعن الضغط الواقع عليه نتيجة غريزة حب البقاء التى تفرض عليه التمسك بهذا الوجود .

منذ أن وجد الإنسان والعقل عاجز عن معرفة ماهية حقيقة الدين، أنه يعرف أشياء عنه، لكنه لا يعرفه لذاته. أن تعرف شيئاً عن الحقيقة أمر مختلف عن معرفتها، قد تكون قادراً على التحدث عن الحب، من دون أن تعرف ما هو، وحتى تتعرف عليه، يجب أن تمر بتجربة الحب، يجب أن تكون عاشقاً. جمع المعلومات شيء، والوصول الى الذات شيء آخر، بمقدروك حفظ ما قاله الفلاسفة وعلماء الدين، وكذلك نظريات وفرضيات العلوم. ولكن ليس بمقدورك الادعاء أنها أقوالك ونظرياتك وفرضياتك، لا أحد ينكر أنها تعينك على تعميق وعيك. وهنا يكمن الخطر، لأنها تجعلك مدعياً أنك تعرف كل شيء.


وعلى صعيد المعرفة، دائماً هناك فرق بين الديني والفلسفي، ومع أن كلاً من المجالين يعالج قضايا معرفية، غير أن الفلسفة لا تهتم بما هو جماهيري، نعم هي تهتم بالأخلاق، وضبط السلوك ومن ثم فلها عناية ـ بصورة أو بأخرى ـ بما هو جماهيري، غير أن الدين أرضيٌّ أكثر من الفلسفة، التي تتعالى دائماً على الكثير مما هو جماهيري.
الدين بيتي وعائلي وقروي وبدوي وحضاري وبدائي ومتطور، الدين يبدأ مع الطفل ولا ينتهي عند الشيخ الهرم. ومع ذلك فإن الدين لا يترك للفلسفة كل شؤون المعرفة,,,,,مع ذلك، ما هو الدين؟ إن تعدد الأديان اليوم يضع على الساحة عملياً عقائد ومفاهيم متناقضة ومختلفة ولا يجوز لنا نسب التناقض هذا لله عز وجل.
ومن الغريب حقا ؛ أنة على الرغم من التقدم العلمى والتقدم التكنولوجى الذى أحرزه الإنسان فى كل المجالات تقريبا ، وكذلك تحسن إدراكات الإنسان بدرجة ملحوظة وفهمه الآن للنظريات العلمية الكبرى التى قاربت أن تدخل ، أو دخلت فعلا ، جذورها ونتائجها فى حيز الفكر الغيبى ، أو ما يسمى بحيز الخيال العلمى ، إلا إننا نجد أن هذا الإنسان يقف ويغلفه العجز الكامل والحيرة الشديدة أمام " القضية الدينية " ، حيث ما زال الإنسان مترددا بين قبولها على إنها " قضية حقيقية " فعلا ، أم إنها مجرد " قضية وهمية من صنع خيال الإنسان وفكره " تعكس ضعفه المتناهى أمام هذا الوجود الغير متناهى .

يقول الحكيم اوشو:
في الطقوس الدينية يتحول الدين لممارسة، لأداء فقط، رقصة ربما، أو حركة مكررة ربما، المهم أن الطقوس تجسد البعد البشري في الدين وليس الإلهي، ومع أن الأداء الجسدي في أغلب أشكاله يفتح الأبواب على منافذ الروح وينفذ بالعقل والإدارك لمدايات تأملية خالصة، غير أن التركيز على الجسد في الطقس الديني يضل طافحاً ومميزاً. وإذا استبعدنا النتائج التأملية عن الطقوس فأنها لا تفقد لا معناها ولا جدواها، غير أن العكس صحيح. فالدفع بالطقوس لأن تكون ذات أهداف تأملية يفرغها من معناها الديني.
في الشعائر الحسينية مثلاً. في اللطم أو التطبير أو الركض (ركضة طويريج) أو ما إلى ذلك، ما هو الغالب، الجسدي أم التأملي؟ طبعاً الجسدي. في فعاليات الدراويش أيضاً. بهذه الطقوس جميعها تتجمع طبقات المجتمع المختلفة وتلتقي عينات من مستويات ثقافية متباينة. لكن مع ذلك تلتحم الأجساد في حمى الأداء الواحد، ما يكشف عن أن الغاية العليا من وراء الطقس هي الفعالية الجسدية البشرية، وليست التأملية، ففي التأمل لا يلتقي الشاعر والحداد بمكان واحد.
وثمة حقائق مطلقة لا تضيع، إنما قد يُصمَتُ عنها لفقدان الكلام فكلُّ إنسان فهو شارع نفسه المطلق، والمقدِّر على نفسه العزَّة أو الخذلان، والمفتي في حياته وثوابه وعقابه.
هذه الحقائقُ العظيمة عظمةَ الحياة نفسِها بسيطةٌ بساطةَ أبسط عقل بشري؛ والحقيقة بقدر ما نستطيع أن نستوعبها نجد تجلياتها مختلفة ومتعددة .
وثمة حقيقة مطلقة اخري تقول بانة لا مفر لأي دعوة دينية جديدة من أن تصبغ نفسها على أساس من العقائد والأساطير القديمة حتى لو أنكرت صلتها بتلك العقائد والأساطير القديمة .
يبدو أن هذه الحقيقة كانت سارية على جميع المعتقدات والأديان. فصاحب الديانة الأحدث نشأ , وتأثر ثقافيا ببيئته وما تحتويه من أفكار وعقائد وأساطير , منها ما يوافق ويتناغم مع استعداداته العقلية والروحية والنفسية, ومنها ما لا يستسيغه ويفجعه وما يراه متعارضا مع العقل أو الذوق أو الحس .من هذه العقائد ما يراه لائقا بالإله , ومنها مالا يحب أو يرضاه على معبودة . فيأخذ على كاهله مسئولية إصلاح ما يراه قد فسد وضل عن سواء السبيل.
وخلاصة القول أن الديانة الأحدث , بالرغم مما تزعمه من مزاعم , تأخذ التراث الديني الأسبق وتصيغة من جديد مع ما يلزم من إضافات جديدة تتناسب مع المستجدات والتراكمات الفكرية المتجددة, وما يلزم من حذف ما استهجنته الطبيعة الدينية من عناصر عقائدية بالية بدائية.
انطبق هذا على العبرانيين حيث تاثروا بالتراث الدينى للمنطقة فكانت ديانتهم عبارة عن دمج لما استحسنوه من عقائد واساطيرالامم التى هاجروا اليها (مثل مصر) والامم التى احتلوا اراضيها بالسيف ( مثل الكنعانيين والفلسطينيين وغيرهم.) والامم التى عاشوا فيها فى ايام سبيهم (مثل بابل وآشور والفرس).
كما انطبق هذا على الديانة المسيحية التى أسست معظم عقائدها على اليهودية وعلى كتابها المقدس فضمته الى اسفارها المقدسة , وبطبيعة الحال نقلت منها وعدلت من تعاليمها واضافت لها ما يتفق مع التطور الفكرى والعقائدى والفلسفى لعصرها.
كما انطبق هذا ايضا على الديانات الممتددة في الشرق والغرب والاهم هو ان عقائد الإنسان ومُثُله التي آمن بها حينما كان يروِّعه خسوف القمر لا يمكن أن تظل هي عقائده ومُثُله بعد أن أصبح يصنع الأقمار ويغزو الفضاء"

هناك خطان ، لا ثالث لهما ، إما الحق وإما الضلال فأي تأويلات وأي تبريرات تقنعني . . لقد تركت التأويل والتبرير في وادي السقيفة . . . وانتقلت إلى واد خال من التأويل والتبرير ، تركت التناقضات . والتغطيات الإعلامية ، وانتقلت إلى واد فيه يقال
لقد ذهب الدين كما جاء ولا يغير من هذه الحقيقة صورة الدين الشكلية التي ظلت معلقة على جدران الحياة عبر القرون. لقد تناثر الدين خلال القرون الماضية إلى عشرات بل مئات الأديان والاف بل ملايين الفرق والمذاهب .

ويقول الباحث السعودي عبدالله القصيمي:

"لقد كانت الآلهة بالنسبة للمتدينين عمالاً عند المتدينيين أكثر مما كان المتدينيين عمالاً عند الآلهة"

"إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك" – إذن كيف يغفر لمن ينكرُ وجودَه؟!

"إنهم يتصورون الله قيصرًا أو زعيمًا ضالاً، ينشرح صدرُه للنفاق وقصائد الامتداح، ويفقد بذلك وقارَه"

"إن الذي لا يعلم بوجودي لا يُعَدُّ مسيئًا إليَّ. ولكن المسيء هو الذي يعلم بوجودي ويعلن اعترافه بي، ثم ينسب إليَّ الشرور والنقائص"
كذب الأبالسة والطغاة الذين صنعوا هوّة بين الروح والجسد، الدين والدنيا، العقل والقلب
وصحيح أن الاديان التوحيدية الابراهيمية التي تنطلق من العلة والهدفية حسب هذا التعريف هي دين .وهي تؤمن ايضاً برسالة الانسان... ،حتى الوثنية هي دين (لكم دينكم ولي دين)،والعقائد الشرقية برمتها هي دين .. لكن السؤال الجوهري ،أين هو الدين الصحيح ؟ وكيف نتعرف عليه في زحمة هذه الاديان السماوية والارضية ؟ لهذا لابد لنا من أن نجد منهجا للوصول اليه ،وهذا المنهج يتلخص في أنه ،إذا أردنا أن نتلمس ونتحسس جوهر شيء ما ،حقيقة شيء فلا بد أن نبحث عن رسالته، وكون الدين هو كل تصور وجودي ، وهو كل رؤية كونية حتى ولو كانت وثنية إلحادية هي دين، لكن الاختلاف في رسالة هذا الدين أو ذاك . ففي هذا المقام لابد لنا من العودة الى القرآن الكريم والكتب المقدسة التي رسمت لنا الطريق للوصول الى تعريف الدين الصحيح من خلال رسالته، فالقرآن الكريم يعلمنا أن الدين جاء الى مخلوق كرمه الله (ولقد كرمنا بني أدم)،وجعل من الانسان عبد الله وخليفته على الارض ،وجعل الناس كلهم أمامه اخوة متساوون ،وكما قال الشيخ محمد عبده مقولته الرائعة "الإنسان عبد الله وحده،سيد لكل شيء بعده" هذه المقولة لو ادركها العالم لكانت بمثابة المفتاح المفقود والرسالة التي نبحث عنها لتعريف الدين. أذن الرسالة المعرفة بدين الله تكمن في جوهرها عقيدة التوحيد ، وكلنا يعلم أن الدين الذي يرضاه الله عز وجل هو دين الاستسلام لله بالمطلق والخضوع له...وليس للبشر والحجر... وليس للحكام والاقوياء...الله عز وجل يقول "إن كثيراً من الاحبار والرهبان لياكلون اموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله " نعم نستطيع أن نقول إن كثيرأ من الاحبار والرهبان وعلماء ومشايخ الدين الاسلامي يصدون عن سبيل الله ،في حال اسقطنا هذه الآية الكريمة على واقعنا الحالي. رسالةدين الله جاءت من السماء الى الأرض عبر الانسان نفسة ، جاءت لتوازن المادي والروحي في حياة هذا المخلوق المكرم ،رسالة ين الله هي الانسان ثم الانسان .هداية وسعادة وراحة ،جاءت لتنقذه من شر الشيطان وشر نفسه...جاءت من أجل تعميق الوحدة الانسانية ...وجاءت لحث الانسان على استثمار كل مجالات التسخير ...رسالة دين الله جاءت لتوحد البشرية من خلال التوحيد الخالص لله وتركت للفعل البشري مساحة واسعة ليتحرك فيها بناء على تحقيق مصالحه.
هذه الرسالة هي التي تفي بأكبر قدر ممكن من المفاهيم الكونية العالمية ،والتي تدعم مسيرة الانسان العلمية ،وليس دعمها فحسب بل على تثميرها وإرشادها إذا دعت الحاجة ، عندها نستطيع أن نقول أنها الرسالة التي في استطاعة الانسان استيعابها وتفعيلها على واقعه ،الرسالة المقبولة من قبل الانسان العاقل ،لأنها جاءت من رب الانسان.
وهذه الأشعة الإلهية هي التي تنقذ الإنسان من الظلمات إلى النور وما تقدم منهجاً معياريا، ولكن هذا المنهج نفسه لا يتجاهل وجود التجليات الأخرى وما تقدمه للحياة.
وهذه التعددية في تجليات الحقيقة وفي وسائل المعرفة في المجتمع تقابلها تعددية في الفرد الإنساني نفسه وقد قال القرآن الكريم ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله على كل شيء قدير "البقرة"، كما قال: ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها فالفجور موجود والتقوى أيضاً موجودة
وفي أصل هذا أن الحقيقة متعددة الأبعاد - ولا يمكن لمذهب ولا دين أو نظام أن يلم بكل هذه الأبعاد وإنما هو يلم ببعد واحد من أبعادها حتى وإن كان أهم من الأبعاد الأخرى. ولكن يظل الأصل هو تعدد المجالات التي تعبر الحقيقة بها عن أبعادها ومجموع هذه المجالات هو ما أستأثر الله تعالى بمعرفته فهو وحده الذي يعرف الحقيقة المطلقة والحقيقة التي تضم كل ما نعرفه من حقائق وربما حقائق لا نعرف عنها شيئاً بها وليس شرطا أن ينظمها الدين. لأن معنى هذا أن يحيط الإنسان بعلم الله تعالى. وأين علم الإنسان من علم الله تعالى يقول: وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً.
أن أدونيس لا يرى أن مشكلة الدين تكمن في التطبيق، بل إنه يؤكد على أن المشكلة تكمن في الدين نفسه، مؤكدا بأن الحقيقة تاريخية وليس سجينة نص أو معتقد. لكنه أشار إلى أنه لا ينتقد سوى الدين الذي يتخطى الفرد ليفرض نفسه على الجماعة، وليحتكر الحقيقة لنفسه:"حين يتحول الدين إلى مؤسسة أو سلطة، حين يحشر الإله نفسه في العالم يتحول إلى مشكلة".
رى أدونيس بأن الأديان الوحدانية شاخت، ولا يمكن حل مشكلات عالم اليوم، إلا بإعادة النظر جذريا في الرؤية الوحدانية للإنسان والعالم والتوحيدية لله.
وهذا كله يعود إلى الطبيعة البشرية (الشريحة) التي جعل الله الناس عليها وأودع فيها الغرائز التي تقوم بحماية الجسد والكيان المادي للإنسان والعقل الذي يهديه إلى الصواب ويجنبه الخطأ ويؤمن بالحقيقة وينفي الخرافة وأخيراً الوجدان الذي يمثل العواطف التي قد تبدأ من الغرائز ولكنها تتهذب بفعل الوجدان وتضم العواطف من حب أو كراهية استقامة أو التواء، صراحة أو نفاق إفراط أو تفريط.. كما تضم الفنون على اختلافها.
كل إنسان ينطلق من دين وعقائد آبائه ، وقلائل الذين يسعوا لتطويرها أو تغييرها .
لذلك نلاحظ هذا التمسك القوي من غالبية الناس بعقائدهم الموروثة من آبائهم ، وهذا لأن هذا الموروث هو أول ما يسجل في عقلهم ، وهو يكون الأساس الذي سوف يبنى عليه .
وهذه الأفكار أو البنيات الفكرية أو الكائنات الفكرية التي توضعت في دماغهم أولاً ، سوف تسعى للمحافظة على نفسها وتقويتها وانتقالها إلى الآخرين ، فهي تسعى بكافة الطرق لتبرير وتقوية نفسها ، وهذا نلاحظه بوضوح على كافة البشر . فالفكر الديني أو العقائد الموروثة هي الإعلام الأول الذي يدخل إلى عقل الإنسان ، لذلك هو الأقوى ، وهذا تابع لخصائص وآليات عمل الدماغ أو العقل .
فمهما كان الأعلام اللاحق قوي يصعب عليه التغلب على الأفكار الموروثة ، وفي الواقع هذه الأفكار والعقائد الموروثة هي التي تؤثر وتوجه هذا الإعلام ، طبعاً ضمن حدود معينة .
فالإنسان نفسه فيه هذه التعددية التي تعمل كل واحدة منها بطريقة وهدف مستقل ومغاير للآخر ولكنها تستهدف جميعاً صحة الإنسان جسداً ونفساً فكذلك تجليات الحقيقة في المجتمع. فكل واحدا منها يمثل بعداً من الحقيقة. وجانباً من جوانب كمال المجتمع وكل واحد يعمل لوسائل وأهداف مختلفة وما من واحدة تتدخل في عمل الأخرى، وفي النهاية فإنها جميعاً تتلاقى على كمال التوحيد والعرفان.
اكتمال الدين والعقيدة:
يكمن اكتمال الدين والعقيدة في أن يجد الإنسان طريقه إلى إدراك الله وكلّ ما هو ضروري لجعله إنساناً كاملاً، وإنسان بحياة متكاملة كلياً، وإنسان بذكاء فائق وإبداع وحكمة وسلام وسعادة.
يكمن اكتمال الدين في أن يكسب الإنسان الذي يعرف حقاً معنى لكلمة دين. وكلمة "الدين" تجيء من المصدر دين إي ما استدان الشخص من شخص آخر وعليه إعادته له، فيلتزم المدين بتسديد ما عليه للدائن. إن غاية الدين بربط الإنسان والتزامه على إرجاع ما كان قد أخذه إلى مصدره وأصله.
إذا نجح الدين في إعادة الإنسان إلى مصدره، وفي إعادة العقل إلى مصدره، في جلب الجسم ونشاط العقل يعودان إلى مصدر كلّ النشاط، ينجح دين في اكتمال غايته. العقل هو محور الحياة. إذا أمكن سحب العقل إلى أصله، تكون بذلك الحياة كلها قد سحبت إلى مصدرها وستتحقق غاية الدين.
الدين هو طريق، أو على الأقل يجب أن يكون الطريق لرفع وعي الإنسان إلى مستوى وعي الله، ولرفع العقل البشري إلى مستوى الذكاء القدسية أو العقل الكوني الشمولي.
إنّ غاية الدين في أن يضع حياة الفرد في التناغم مع قوانين الطبيعة وبوضعه كذلك يكون في التدفّق الطبيعي في مجرى التطور.
يجب على الدين أن ينسّق الحياة الفردية مع الحياة الكونية ويحسّن كلّ قيم الحياة البشرية. يفتح الدين الطريق العملي إلى إدراك الحقيقة العليا التي تم كشفها بالفلسفة. إن الفلسفة هي وصفية، بينما الدين له قيمة عملية في إيجاد الطريق المباشر إلى إدراك الله. إنه وسيلة مباشرة لتمكين البشر للتطوّر إلى المستوى القدسي. يملي الدين بما علينا أن نفعل وما علينا أن لا نفعل في الحياة لكي يحوّل نشاط الفرد لتحقيق الغاية العليا للوجود البشري. إن كلّ ما يمليه علينا الدين يقصد به وضعنا في الطريق المباشر إلى إدراك الحقيقة النهائية، أو الحرية في وعي الله. يخدم الدين الغاية العملية.
ومن دون الدخول في تعداد تفاصيل الحالة المحزنة للأديان في العالم اليوم، يكفينا القول بأنّها فقط في الجسماني السطحي؛ إنها خالية من الروح. نجد الطقوس والمعتقدات فقط؛ أما الروح فقد غادرت. لهذا السبب لا يجد أتباع الدين الاكتمال.
هذا لا يعني بأنّ الطقوس الدينية ليس لها قيمة. إنّ النواحي العقائدية للدين هي ضروري جداً، لأنه، من أجل أن تكون النفس على الجسم أن يكون. إن قيمتها في تشكيل الجسم الديني للغاية الرئيسي و تأمين الحقل الصحيح لروح الدين من أجل توجيه قدر البشرية.
إن كلّ الطقوس في الأديان المختلفة هي مثل الجسم، وممارسة التأمل التجاوزي مثل الروح. كلاهما ضروريان، ويجب أن يسيرا بالتعاون. ولا يمكن للواحد أن يبقى حياً من بدون الآخرين.
عندما تترك الروح الجسم، يبدأ الجسم بالتحلل. هذه حالة الأديان اليوم. تبدو وكأنها في حالة من التفكك لأنها يفتقر إلى الروح. الدين اليوم مثل جثّة إنسان من دون إنسان. تبقى الشعائر والطقوس من دون رفع وعي البشر.
لا تبدو الروح الداخلية للدين أنها موجودة. إذا لم تكن موجودة أبداًً، تخفق في استمالة الناس. وبسبب عدم تأثيرها، توقّفت بشكل عملي عن استمالة الإنسان المعاصر. من الصعب إيجاد أي دين في العالم اليوم عنده، على المستوى الواعي لكتبه المقدّسة، وصف ممارسة التأمل التجاوزي. لهذا السبب، وفي جميع أنحاء العالم، فقد دين تأثيره وأخفق في اكتمال غايته.
يجب أن لا تكون غاية الدين فقط للإشارة إلى ما هو صواب وما هو خطأ، لكن غايته المباشرة هي في رفع الإنسان إلى حالة الحياة يصبح فيها قادراً على اختيار ما هو صواب فقط وبالطبيعة سوف لن يختار ما هو خطأ. تكون الروح الحقيقية للدين مفقودة عندما يحاسب الدين على ما هو صواب وما هو خطأ ويخلق الخوف من العقاب والجحيم والخوف من الله في عقل الإنسان. يجب أن تكون غاية الدين في إزالة كلّ المخاوف من الإنسان. يجب أن لا يسعى إلى اكتمال غايته من خلال غرس الخوف من الله في العقل...............
يجب أن يتقدم الدين طريقة للحياة، حيث يكون الحياة مثبتة بشكل طبيعي بالتناغم مع الغاية الكونية للتطور، ويتم توجيه كلّ فكرة وكلمة وعمل للفرد من قبل الغاية الأعلى على نحو طبيعي. لا يجب أن يفرض الدين على الإنسان يجهد في يفعل الصواب كي ينال القيم الأعلى من الحياة، لكن، وبشكل الطبيعي، يجب أن توضع كلّ أفكاره وكلماته وأعماله، ليست فقط على مستوى الغاية الأعلى للحياة، لا بل على مستوى الهدف للغاية الأعلى للحياة. يجب أن يكون الدين قوياً بما فيه الكفاية لكي يجلب إلى الفرد تلك الحالة من الاكتمال في الحياة بطريقة طبيعية، ومن دون ممارسات شاقة أو سنوات طويلة من تدريب. إذا كان متكاملاً كلياً في ذاته، يجب على الدين أن يعطي الإنسان المقدرة على أن يعيش الاكتمال بشكل طبيعي.
يجب على الدين الحيّ والمتكامل جداً أن يكون قادراً أن يغرس في الإنسان روح الاكتمال. وعندما يحين الوقت لخروج إنسان من محدودات حياة القاصر ويبلغ سنّ الرشد، يكون جهازه العصبي قد أصبح جهازاً عصبياً متطوراً بالكامل لإنسان. وعندما يحين ذلك الوقت يتوجب عليه أن يكون قد اكتسب، وبإتباع إيمانه، منزلة اكتمال الحياة. أما بقية حياته يجب أن يعيشها في مثل ذلك الاكتمال.
سيكون الدين الحيّ والمتكامل ذلك الذي يكون كل إنسان فيه إنساناً مدركاً لوعي الله، وإنسان يعيش القيم الكاملة للحياة، وإنسان الله – ويكون السماوي على شكل الإنسان على الأرض.
إنّ الإمكانية هي في متناول الناس الآن ولكلّ الأديان كي تبدأ ممارسة التأمل التجاوزي ويكتسبوا في داخل أنفسهم حالة الحياة المتكاملة بالاختبار المباشرة للوعي المطلق للكينونة القدسية.
إن الدين الذي يعطي إلى الناس رسالة فعل الخير لكن يخفق في تطوير وعيهم ويخفق في رفعهم للعيش في حياة ممتلئة بالخير بطريقة طبيعية يكون مجرّد دين بالكلام. إن الديني الذي يستحقّ اسمه يجب أن يكون له قيمة عملية حقيقية. ويجب أن يضع الإنسان مباشرة في طريقة الحياة المليئة بكلّ الخير والخالية من الشرّ.
إنها مسؤولية الدين في جعل الخير يشرق على وجوه أتباعه. إذا أخفقت التعاليم الدينية في إلهام الناس للعيش في حياة جيدة في وعي الله، يجب عندئذ، على المبشرين والوعاظ الدينيين مراجعة قوّتهم ويعملوا على استقامة تعاليمهم. إنّ الضوء الداخلي للأديان هو مفقود في التعاليم الدينية، وهذه الحالة في جميع أنحاء العالم؛ والنتيجة هي غياب السلام والسعادة في حياة الناس، وزيادة التوتّرات في كل مكان. أولئك الناس المتدينين الذين يتوهموا بان عندهم سلام في حياتهم نجدهم في أغلب الأحيان بأنهم أصحاب موقف غير فعّال، ويفتقروا إلى الحياة الديناميكية – إن هذه المزايا ليست مزايا الحياة الدينية الحقيقية. إن هذا الهمود وغير الفعالية تنبع من التطبيق الخاطئ للمثالية الدينية.
يجب أن تكون حياة الإنسان المتدين ممتلئة بالنشاط والخير والديناميكية على سطح الحياة، وفي العمق، يجب أن تكون في السلام الأبدي الثابت الذي يستقر في أعماق البحر.
يجب أن تكون الحياة بأن نعيش الدين بشكل طبيعي وغايته محققة. لا يجب أن يكون صراعاً من أجل أن نعيشه أو نكتمل به. يجب أن نعيش الحياة في الاكتمال لكلّ قيمها. الإنسان على الأرض، إنسان بالدين الحقيقي الحي والمتكامل على الأرض، يجب أن يكون الله المتنقل، القدسي المتكلّم – لا يكون إنساناً يصارع بالإيمان في الله، وبالرغم من ذلك ما زال يبحث عن معنى القدسي. إن جوهر الله ومنزلة الله ووجود الله واختبار وعي الله والحياة في الوعي القدسي - كلّ هذه يجب أن تكون الحياة الطبيعية للإنسان. يفترض الإيمان في الله والإيمان في الدين بأن يكون له غاية في الحياة. إن أيّ إيمان لأجل لإيمان فقط هو مثل امتصاص طاقة الناس.
"بالإيمان نحرّك الجبال" إنه قول مشترك، ولكن، إذا لم يكن الإيمان قادراً على إعطاء الإنسان الارتياح من المعاناة ويجلب له كلّ الخير، يكون هذا الإيمان محتاجاً إلى شيء أكثر لجعله منتجاً. الناس الذين ينتمون إلى الأديان المختلفة لهم إيمانهم بأديانهم، أنه أمر جدير بالإعجاب لما هو يتحمّلون في إيمانهم بالسراء والضراء في الحياة. لذلك من الضروري تزويد المبشرين والوعّاظ في الدين بشيء له قيمة عملية وبه ستقودهم معتقداتهم إلى هدف الحياة.
إنّ الأولياء أو الأسياد وكل رؤساء الديانات هم ممثلون لله ومقامهم بين الإنسان والله. إن مسؤوليتهم هي الرابط بين البشرية والإلوهية. وعلى نفس النمط، أن الكهنة والشيوخ في دور العبادة هم بمثابة الوسطاء بين الإنسان والله، وهم أيضاً أيضاً أي ، مسؤوليتهم عظيمة. يجب أن تكون حياتهم حياةً متكاملة في وعي الله، أما إذا أخفقوا في عيش الحياة في وعي الله، فيتوقّفون عن أن يكونوا الرابط بين الإنسان والله.
إنه الوقت المناسب كي صحّوا الأمناء على الأديان. هاهنا نعرض عليه شيئاً بكلّ محبة لله، وبكلّ المحبّة لما يمثلون. إنه الوقت المناسب بأن يتم تبني التأمل التجاوزي في الكنائس والمعابد والمساجد، وكل دور العبادة. لندع كلّ الناس الفخورين بأديانهم، والذين يعيشون طرق حياتهم الخاصة في معتقداتهم الخاصة، يتمتّعون باكتمال الحياة - الحياة القدسية في حياة الإنسان.
ليس من الضروري أن نصف الحالة المحزنة لأتباع الأديان اليوم: التوتّر المتزايد في الحياة والمعاناة والمرض وعدم الاستيعاب للقيم البشرية في كلّ المعتقدات. إن حالات الفشل هذه من ناحية الأديان هي الأسباب التي أدت لابتعاد الحياة المعاصرة عن الدين. وبالرغم من أنّ الناس يحملون اسم الدين، لكنه يخفقون في عيش قيمه بحياة دينية.
يجب أن تكون الحياة الدينية حياة في الغبطة والفرح والسلام والانسجام والإبداع والذكاء. ويجب أن يتدفّق مجرى الحياة الدينية على مستوى الحسّ العام على الأقل. ويجب أن تكون حياة المحبّة والعطف وتحمّل الآخرين، ورغبة فطرية لمساعدة الإتباع. يجب أن تكوّن كلّ هذه الصفات الحالة الطبيعية لعقل الإنسان المتدين. إذا كانت هذه الصفات - وهذه المزايا والأخلاق وحالة وعي الله – غير موجودة بشكل طبيعي في الإنسان المتدين، فهو يحمل فقط عبء اسم الدين.
يجب أن لا يزوّد الدين الأساس الصلب، لكن أيضاً يجب أن يكون قادراً على بناء الصرح العالي للحياة القدسية في حياة الإنسان، ويمكن إنجاز ذلك فقط بواسطة تحوّل طبيعة الإنسان إلى الطبيعة القدسية. سيكون من صعب للشعائر الدينية في دور العبادة أو في البيت تحويل الميول الداخلية للناس إلى الصفات الأساسية للطبيعة القدسية. وبالرغم من ذلك، وما لم يحصل ذلك، لا يمكن أن تكون الحياة على الأرض مستقيمة وأخلاقية ووقورة على كلّ المستويات.
إن التعاليم الإيحائية على سطح العقل الواعي لا يوجد فيها ما يحوّل العقل الداخلي. في تعاليم الصدق والعطف ومحبّة الآخرين ومخافة الله، أخفقت الأديان فعلاً في تزويد الحياة البشرية بأيّ درجة هامّة لتطور، لأن التقنية العملية لم يتم استعمالها لجلب العقل البشري إلى القيمة القدسية.
ما لم يرتفع العقل إلى المستوى العالي في قيمه ويبلغ درجة واضحة من الذكاء القدسي، سيواصل الإنسان ارتكاب الخطأ. الإنسان يخطئ، وجلّ من لا يخطئ. هكذا، وطالما يبقى الإنسان في حقل البشرية فهو عرضة للخطأ. لذلك من الضروري أخذه فوق حقل الخطأ، بجلب الذكاء القدسي في مجال العقل الواعي، وبذلك تتغلغل الطبيعة القدسية إلى طبيعة الإنسان. ورفع البشرية إلى الإلوهية – عندئذ تصبح غير هامة الشعائر الدينية المتبعة والتي هي مهملة على المستوى الإجمالي للدين والحياة.
طالما تسود روح الدين على حياة الناس، فلا يهمّّ أي اسم يعطون إلى دينهم، أو أي شعائر يتبعون في كنائسهم أو معابدهم أو مساجدهم أو دور العبادة المختلفة. طالما هم مثبتون في روح الدين ومرتفعون إلى حالة وعي الله، وطالما يعيشون القدسية في حياتهم اليومية، وطالما يظل مجرى الحياة متناغماً مع المجرى الكوني للتطور، فلا يهمّ سواء يدعون أنفسهم مسيحيين أو محمّديين أو هندوس أو بوذيين - أيّ اسم سيكون هامّاً. على المستوى الإجمالي للحياة تحمل هذه الأسماء أهمية، لكن على مستوى الكينونة، فهي جميعاً لها نفس القيمة.
كل انسان يختبر حدود وجوده في المكان والزمان، ولا سيمَا في أوقات الضيق والمرض والضعف والموت. من خلال تلك الخبرة يكتشف المؤمن أن الكائن المحدود لا يمكن أن يكون هو أصل ذاته. عندئذٍ ينفتح الكائن المطلق ويرى فيه أصل كل كيان وكل وجود. ويدرك إذّاك ان حياته هي نعمة أُعطيت له من قبل الله.

هذا ما تؤمن به مختلف الديانات وتعبّرعنه في عقيدة الخلق. وتلك العقيدة ليست نظرية علميّة تهدف إلى تفسير الطريقة التي خلق الله بها الكون، بل تعبير عن إيمان الانسان بعلاقته بالله أصل كيانه وعلّة وجوده.
الايمان بأن الله هو خالق الكون لا يقتصر على الزمن الماضي. فالخلق عمل دائم، لأن العلاقة بين الله والكون هي علاقة دائمة. لذلك لا يكتفي المؤمن بالنظر إلى الماضي والحاضر، بل يتجاوزهما إلى المستقبل. وفي كل نقص يختبره في الحاضر يرى دعوة من الله للعمل في سبيل بناء مستقبل يحقّق فيه كل انسان ما تصبو إليه انسانيته.

فالايمان هو إذاً نظرة إلى الكون والانسان كما يريدهما الله أن يكونا، وفي آن معاً التزام للإسهام مع الله في تحقيق تصميمه وإرادته في الكون والانسان.

عندما أراد يوحنا الانجيلي التعريف بالله لم يلجأ إلى تعبير فلسفيّ نظريّ، بل قال: "ان الله محبة. فمن ثبت في المحبة ثبت في الله وثبت الله فيه" (1 يو 4: 16).
ويجد هذا التعريف بالله صدى في قول جبران خليل جبران: "أما أنت إذا أحببت فلا تقل: الله في قلبي، لكن قل: أنا في قلب الله".
هذا هو موقف المؤمن الحقيقي إزاء الحياة والكون وكل ما يمكن أن يحدث له في اليسر والضيق، في الفرح والحزن، في السعادة والشقاء، في الحياة والموت، يؤمن انه ليس وحيداً في هذا الكون ولا غريباً في هذه الحياة. فالله قد أحبّه واختاره وقبله.

انه في قلب الله إلى الأبد.



وأخيرآ لا بد من التنبيه الى ان مراجع ومصادر هذا المقال كانت طويلة وكثيرة ومتشعبة مما يصعب علينا ذكرها جميعآ ولكننا سنعرض قائمة بجميع المراجع والمصادر عند أصدار جميع أبواب البحث.....ونقدم أعتذارنا لكل من أقتبسنا منه ولم نذكر أسمة أو اسم كتابة أو مقالة.
 تنبيه مهم : عليك ان تقرأ الشروط عند تقديم اي طلب جديد والا سيتم حذف موضوعك •• اقرأ الشروط ••

أضف رد جديد

العودة إلى ”الفرق والمذاهب والاديان“