سلفية المتاجرة بالدين

كل ما يخص الاديان واساطيرها
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
faraj
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 403
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
الجنس: اختار واحد

سلفية المتاجرة بالدين

مشاركة بواسطة faraj »

سلفية المتاجرة بالدين
ما إنْ تتحوّل العمامة إلى اتجارٍ بالدين حتى تصبح معرضة للسّقوط والاهتزاز في عرش القداسة والنزاهة، لتنهار مباشرة حال النرجسية المقترنة عادة بالمهابة الكهنوتية، وتتكشّف دعاوى وألاعيب النزاهة والتعفف والزّهد والتّصنع وكلّ شيء يجعل منها على درجةٍ أقرب من الله أو التاجر والسلطان. تصبح العمامة سعياً حثيثاً لرأسمال معنوي يجلب في طريقه رأسمالاً ماديّاً. إنها تخمة روحية ضرورية جداً لكسب وجاهة تبسط لرجل العمامةموائد الدّنيا ونعيمها، فيتردّد على الموائد ويتطفل على مكاسب «العوام».كيف لا وهو شفيع السّماء ووجيه الأرض، خطيبٌ، عالمٌ، أديبٌ، وتاجر. إنه اتجار بكلّ شيء؛ بالعبادة والمال والأخماس والأوقاف والمعاملات وحتى عذابات الثكالى، وكلّ شيء له ثمنه بالطبع.
إني هنا لا أعمّم، لأنني أتحدّث عن ظاهرةٍ عامة يمكن أن تحظى ببعض الاستثناءات أو الشذوذ، ولكن الظاهرة لا تُقاس بالشذوذ، بل بالسّمات الغالبة، وإلا فكلّ شريحةٍ اجتماعيةٍ يمكن أن يوجد فيها بعض التفاوت في انطباق السّمة الغالبة على أفرادها. نحن نتحدّث عن رجال دينٍ يعتمدون كليّاً على الأخماس دون إعمال أيّ جهدٍ فكري أو جثماني في مقابل ما يتقاضون من مرتباتٍ جاهزة، نتحدّثُ عن رجال دين يتمظهرون بكلّ أنماط القداسة لخلع المهابة على سلوكياتهم وتصرّفاتهم التي تنبع من جشع خليقٍ بتاجر وليس برجل دين يُفترض به الزهد والورع. لقد تمكّنوا بهذه التمظهرات المزيّفة من خلق حاجز رفيع وسميك يمنع ممارسة النّقد تجاههم، وإلا فلماذا يتحسّسون من أيّ نقدٍ أو مطالبة من العوام البسطاء؟ كلّ الفئات والشرائح في المجتمع تستوعب النقد بروح «رياضية» منفتحة إلا هذه الشريحة المتمقدسة. وقداستها هذه ليست إلا وهْما. لأنهم بشرٌ مثلنا، يخطئون وينامون وبعضهم يشخر في نومه حتى الظهيرة مطمئنين على مستقبلهم لا سؤال ولا هم يحزنون. يضاجعون النساء، بل ولهم ميزة الجاه «المعنوي» الذي سيجلب لهم فرصة التنعم بجوارٍ حسان تحت غطاء زواج المتعة كما يفعل السّلفيون على الضفة الأخرى الذين يتنقلون بين الأحضان تحت غطاء زواج المسيار. هم بشرٌ عاديون جداً، كما هو الاختصاصي في أيّ مستشفى في العالم، بل إننا قد نظلم هذا الاختصاصي الذي يجْهد نفسه من أجل شفاء مرضاه، فيما رجل الدين يتلحّف برداء القداسة لكي تهبط عليه بركاتُ العوام البسطاء الطيبين تحت القبب المزيّنة بأصناف الدّجل والشعوذة دون أي جهد أو مشقة.
عريضة الرقابة على «الخمس»
لقد سمعنا جميعاً عن العريضة المهمّة والشجاعة التي تتناول الخمس ومعضلاته و«بلاويه»، إنها خطوة جريئة وشجاعة ليس فقط لأنها تتناول قضية على درجةٍ عاليةٍ من الحسّاسية والخطورة في المجتمع، بل لأنها تتميّز بجدّتها في الوسط الشيعي، إذ لم يسبق أنْ تمرّد حفاة وأقزام على أسيادهم يطالبونهم بالشّفافية والتوزيع العادل لإيرادات الخمس، على الأقل في منطقتنا هذه، لهذا كانت الصّدمة قاسية أصابتهم بنوبة صرع وهستيريا جعلتهم يكشفون عن معدنهم الحقيقي في رفض أيّ إصلاح يحدّ من مكتسباتهم. هذه العريضة تنمّ عن رغبةٍ صادقةٍ في الوقوف بوجه الفساد الذي ينخر الجسد الدّيني الماثل في رجالات الدّين ومؤسّساتهم إنْ صحّ تسميتها بمؤسسات، وإلا فهي أشبه بـ «المافيا» التي تضحك على ذقون النّاس وتذرّ رماد التبتل والزهد المصطنع في عيونهم لنهب خيراتهم وأرزاقهم. هنا أتذكر علي شريعتي الذي لم يدخر جهداً في محاربة هذا الوباء المستشري في المجتمعات الشيعية، حيث يصفهم بالمستحمرين الذين يزيّفون الواقع ويهمسون في آذان المساكين بأن عليهم بالصّبر والزهد والقناعة ثم يفتشون في جيوبهم لعلّ فيها شيئا من المال. وأنا هنا لا أريد أن أضيف شيئاً إلى هذه العريضة المهمّة وما رافقها من مقالاتٍ واعيةٍ تكشف عن حجم الفساد والسرقة وحالة «المافيوية» بين العمائم، ولا أريد أن أتحدّث عن معضلات الخمس، الذي هو بمثابة ضريبة عالية جدا (20% من فائض المغانم والمكاسب) كان يمكن أن تُساهم في رفد الاقتصاد الوطني وفي دفع التنمية الاجتماعية، كان يمكن أن تُحدث توازناً طبقيّاً معقولاً في المجتمع ببناء مشاريع تنموية واقتصادية تستهدف الطبقات الدنيا، وأن تُساهم في الحدّ من الفقر والفاقة، وأن تفعل الشّيء الكثير فيما لو كانت ضريبة الخمس الدينية تخضع لنظام تدوير يجلب الخير والمنفعة لهذا المجتمع، لا أن يتمّ استنزافها في مصالح فردية أو تهريبها للخارج، كان يمكن الاستفادة من الأخماس - مع أني لستُ معنياً بها - فيما لو خضعت للرقابة والشفافية والمحاسبة، كما يحدث في أية شركة أو مصرف، ولكن على منْ تعزف مزاميرك يا داوود؟ لا محاسبة ولا هم يحزنون.
المتاجرة بالدين و.. بالموروث الشّعبي
لهذا يمكن القول إن النظام المتّبع في التعامل مع الخمس يجعل من السّرقة غير واضحة المعالم، ولا يمكن إثباتها - أو إنكارها طبعاً- حتى لو اختلست الملايين من هذه الموارد الضّخمة التي كان يُقدّر لها أن تضيع هباءً منثوراً أو تختفي بقدرة قادر لتتحوّل إلى أرصدةٍ لهذا الشيخ أو تلك الملة بعد أن يُقال أنه ينتمي إلى عائلة ارستقراطية وغنية. في الحقيقة أنا أحسدُ رجال الدين، فلا أحد إطلاقاً بإمكانه أن يحصل على كلّ هذه الحظوة التي يمتاز بها، فإلى جانب موارد الخمس التي يتقاسمونها هنالك أيضا خيارات لا تقلّ أهمية عن الأخماس. فالاشتغال بالوعظ والقراءة الحسينية يمثل هو الآخر مورداً ماليّاً ضخماً. يكفي أنْ يحفظ «كم» بيت و«كم» كلمة هنا أو هناك حتى يعتلي المنبر ويُقدّم وجبة «ليست شهية تماما» من الفانتازيا والأحاديث الشعبية والشفهية الساذجة جدّاً، فتتردّد همهمات العجائز بالموافقة والتأييد.
لكلّ وجبةٍ يقدّمها ثمن خاص، يتراوح بين 500 ريال إلى 2000 ريال، حسب اعتبارات عدة. فالقراءة في محرم أرفع ثمنا بطبيعة الحال من القراءة في غيره، ويمكن أن يخضع الأمر لسوق مزاد على خطيبٍ واحد يمتلك صوتاً جهوريّاً وطلة بهية وعمامة ملتفة بإتقان ولحية كثة وشارباً منتوفاً وظهراً محدودباً إلى حدّ ما. هذا الخطيب بهذه المواصفات سيكلف بلا شك مبلغ وقدره.. (أترك ذلك لمخيلة القارئ) في موسم محرم وحده وفي مجلس واحد، أما إذا كان هذا الخطيب رجلا متمكّناً، وشاباً فإن بإمكانه أن يقرأ في الليلة ثلاثة أو أربعة مجالس فبذلك يتضاعف ذلك المبلغ «وقدره..» ثلاث أو أربع مرات. وفي هذه الأيام خرج علينا أحدهم بتقليعة جديدة، إذ دعا إلى إحياء عشرة أيام في ذكرى وفاة الإمام جعفر الصادق سمّاها بالعشرة الجعرفية، لكن هذا المعمّم في الحقيقة كان يهدف من جملة ما يهدف رفع المدخول عبر زيادة أيام القراءة. لا تعجبوا أيها السادة فهذه هي الحقيقة. أما أنا فسأسأل هنا: هل تنقصنا أيام الأحزان والمصائب لنزيد عليها؟ عشرة كاظمية وأخرى رضوية، والأيام الزينبيّة والفاطمية و... كم بقي من أيام السنة؟.
وبينما يحرصُ رجال الدين على مبدأ العمل التطوعي ويحثّون عليه، نجدهم لا يقومون بأبسط عمل من دون مقابل. فإلى جانب استغلالهم ريع ضريبة الخمس نجدهم يتاجرون حتى بالعذابات، يتحيّنون الفرص من أجل مضاعفة الثروة حتى وإنْ كان عملاً يحمل في طيّاته قسوة حفّار القبور الذي ألِفَ مواراة الميت وإهالة التّراب عليه، ولعلنا نعرف جميعاً أن بين رجال الدين «الخطباء منهم» عُرفٌ خاصُ لدى حدوث أي حادثة وفاة، ففيما أهل المصاب يذرفون الدموع يأتي أحدهم وإن لم يكن على صلةٍ بأهل المتوفى، ليُشارك مصطنعاً الحزن بعضَ المراسم في الجنازة لكي يُطلب إليه إحياء محفل العزاء «الفاتحة» مقابل مبلغ وقدره ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف أو خمسة آلاف حسب مكانة القارئ وصوته وهندامه وطبقته و...! إنه اتجار بالألم يحمل في طيّاته قسوة وغلاظة بعيدة كلّ البعد عن الرّقة وخفّة الرّوح اللازمة لمدّعي القداسة والتورّع والتقوى. هل يجب أن يُحيي هذه الاحتفالات رجل دين لا يجيد سوى الهذيان والتخريف والطرح الساذج والذي في مجمله عبارة عن قصص كتلك التي نجدها في الموروث الشعبي الشفهي؟. أما إذا كان ولابد فليكف هذا المدعي القداسة عن اعتبار نفسه رجلاً من خامة القديسين والكروبيين وليعترف لنفسه قبل الآخرين بأنه لا يختلف كثيراً عن أيّ تاجر أو صاحب مهنة يتكسّب لمعيشته، ولكن بعد أن تخفض هذه المبالغ لأنها مبالغ فيها، ولا أظن أحداً يقرّ بأن بضع كلمات أو أبيات لمدة نصف ساعة فقط تستحق هذا القدر من المال.
فرسول الإسلام وأهل بيته وصحابته الكرام لم يركزوا كثيرا على قشر الدين أثناء الدعوة لتبليغ رسالة الإسلام قدر تركيزهم على لب الدين. فهم لم يهتموا – على سبيل المثال - بحفظ آيات القرآن قدر اهتمامهم بتفسيره وفهمه والتدبر في آياته، لكن الحفظة زادوا في السنوات التي تلت الخلافة الراشدة بعد أن باتت عملية الحفظ تهيّئ لصاحبها مكانة اجتماعية مرموقة.
إنّ وجود علاقة بين اللب وبين القشر أو بين الحقيقة والشريعة، يشير إلى وجود علاقة بين الفقه والعرفان أو بين جوهر الدين ووسيلة الوصول إلى ذلك الجوهر. فالأنبياء والرسل لم يكن هدفهم فقط إيصال رسالة الشريعة للناس، والمؤمن لا يكون مؤمنا لمجرّد التزامه بالقشر والشريعة دون السعي للولوج في جوهر الدين، لكن المجتمعات الإسلامية باتت تطلق وصف المؤمن على كل من يلتزم بقشر الدين باعتبار أن القشر اصبح هو ميزان الإيمان.
فمظهر الإنسان الخارجي، كإطلاق اللحى وتقصير اللباس، أصبح من لوازم هذا الوصف، والحضور إلى المساجد ودور العبادة بات في معظم الأحيان كافيا لإطلاق كلمة مؤمن على شخص ما، والنتيجة أن الهدف الرئيسي من الإيمان، والمتمثل في بناء إنسان بأبعاد أخلاقية وقيمية إنسانية بفضل الارتباط الروحي مع الله، أصبح في مرتبة تالية من الأهمية، بل في كثير من الأحيان قد لا يكون ذي أهمية.

فرجال الدين بشر ككل البشر، لم يكلفهم الله ولا رسله وأنبياؤه سوى أن يغيروا ككل البشر ما بأنفسهم(تحت طائلة كفرهم وإلحادهم) حتى يتدخل الله ويغيرهم.
فرجال الدين لن يكونوا رسلا ً أكثر من الرسل الذين كلفهم الله بصراحة النص في مشروعه وبقي الفسق كثيرا ً، فكيف برجال الدين الذين لم يرسلهم أحد لا مبشّرين ولا منذرين؟!

أقول في الختام: نحن لا نريد إلغاءهم، بل كلّ ما نصبوا إليه هو إعادتهم إلى حجمهم الطبيعي ليمارسوا أدوارهم كمثل أي شريحة أخرى من دون أي زوائد تضفي عليهم مهابة أو كاريزما دينيّة.

من كتابات نذير الماجد ومراجع من منتدي تنوير
 تنبيه مهم : عليك ان تقرأ الشروط عند تقديم اي طلب جديد والا سيتم حذف موضوعك •• اقرأ الشروط ••

تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
السور الاعظم
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 5140
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
البرج: الجوزاء
الجنس: انثى

مشاركة بواسطة السور الاعظم »

sshibamy كتب:سلفية المتاجرة بالدين
ما إنْ تتحوّل العمامة إلى اتجارٍ بالدين حتى تصبح معرضة للسّقوط والاهتزاز في عرش القداسة والنزاهة، لتنهار مباشرة حال النرجسية المقترنة عادة بالمهابة الكهنوتية، وتتكشّف دعاوى وألاعيب النزاهة والتعفف والزّهد والتّصنع وكلّ شيء يجعل منها على درجةٍ أقرب من الله أو التاجر والسلطان. تصبح العمامة سعياً حثيثاً لرأسمال معنوي يجلب في طريقه رأسمالاً ماديّاً. إنها تخمة روحية ضرورية جداً لكسب وجاهة تبسط لرجل العمامةموائد الدّنيا ونعيمها، فيتردّد على الموائد ويتطفل على مكاسب «العوام».كيف لا وهو شفيع السّماء ووجيه الأرض، خطيبٌ، عالمٌ، أديبٌ، وتاجر. إنه اتجار بكلّ شيء؛ بالعبادة والمال والأخماس والأوقاف والمعاملات وحتى عذابات الثكالى، وكلّ شيء له ثمنه بالطبع.
إني هنا لا أعمّم، لأنني أتحدّث عن ظاهرةٍ عامة يمكن أن تحظى ببعض الاستثناءات أو الشذوذ، ولكن الظاهرة لا تُقاس بالشذوذ، بل بالسّمات الغالبة، وإلا فكلّ شريحةٍ اجتماعيةٍ يمكن أن يوجد فيها بعض التفاوت في انطباق السّمة الغالبة على أفرادها. نحن نتحدّث عن رجال دينٍ يعتمدون كليّاً على الأخماس دون إعمال أيّ جهدٍ فكري أو جثماني في مقابل ما يتقاضون من مرتباتٍ جاهزة، نتحدّثُ عن رجال دين يتمظهرون بكلّ أنماط القداسة لخلع المهابة على سلوكياتهم وتصرّفاتهم التي تنبع من جشع خليقٍ بتاجر وليس برجل دين يُفترض به الزهد والورع. لقد تمكّنوا بهذه التمظهرات المزيّفة من خلق حاجز رفيع وسميك يمنع ممارسة النّقد تجاههم، وإلا فلماذا يتحسّسون من أيّ نقدٍ أو مطالبة من العوام البسطاء؟ كلّ الفئات والشرائح في المجتمع تستوعب النقد بروح «رياضية» منفتحة إلا هذه الشريحة المتمقدسة. وقداستها هذه ليست إلا وهْما. لأنهم بشرٌ مثلنا، يخطئون وينامون وبعضهم يشخر في نومه حتى الظهيرة مطمئنين على مستقبلهم لا سؤال ولا هم يحزنون. يضاجعون النساء، بل ولهم ميزة الجاه «المعنوي» الذي سيجلب لهم فرصة التنعم بجوارٍ حسان تحت غطاء زواج المتعة كما يفعل السّلفيون على الضفة الأخرى الذين يتنقلون بين الأحضان تحت غطاء زواج المسيار. هم بشرٌ عاديون جداً، كما هو الاختصاصي في أيّ مستشفى في العالم، بل إننا قد نظلم هذا الاختصاصي الذي يجْهد نفسه من أجل شفاء مرضاه، فيما رجل الدين يتلحّف برداء القداسة لكي تهبط عليه بركاتُ العوام البسطاء الطيبين تحت القبب المزيّنة بأصناف الدّجل والشعوذة دون أي جهد أو مشقة.
عريضة الرقابة على «الخمس»
لقد سمعنا جميعاً عن العريضة المهمّة والشجاعة التي تتناول الخمس ومعضلاته و«بلاويه»، إنها خطوة جريئة وشجاعة ليس فقط لأنها تتناول قضية على درجةٍ عاليةٍ من الحسّاسية والخطورة في المجتمع، بل لأنها تتميّز بجدّتها في الوسط الشيعي، إذ لم يسبق أنْ تمرّد حفاة وأقزام على أسيادهم يطالبونهم بالشّفافية والتوزيع العادل لإيرادات الخمس، على الأقل في منطقتنا هذه، لهذا كانت الصّدمة قاسية أصابتهم بنوبة صرع وهستيريا جعلتهم يكشفون عن معدنهم الحقيقي في رفض أيّ إصلاح يحدّ من مكتسباتهم. هذه العريضة تنمّ عن رغبةٍ صادقةٍ في الوقوف بوجه الفساد الذي ينخر الجسد الدّيني الماثل في رجالات الدّين ومؤسّساتهم إنْ صحّ تسميتها بمؤسسات، وإلا فهي أشبه بـ «المافيا» التي تضحك على ذقون النّاس وتذرّ رماد التبتل والزهد المصطنع في عيونهم لنهب خيراتهم وأرزاقهم. هنا أتذكر علي شريعتي الذي لم يدخر جهداً في محاربة هذا الوباء المستشري في المجتمعات الشيعية، حيث يصفهم بالمستحمرين الذين يزيّفون الواقع ويهمسون في آذان المساكين بأن عليهم بالصّبر والزهد والقناعة ثم يفتشون في جيوبهم لعلّ فيها شيئا من المال. وأنا هنا لا أريد أن أضيف شيئاً إلى هذه العريضة المهمّة وما رافقها من مقالاتٍ واعيةٍ تكشف عن حجم الفساد والسرقة وحالة «المافيوية» بين العمائم، ولا أريد أن أتحدّث عن معضلات الخمس، الذي هو بمثابة ضريبة عالية جدا (20% من فائض المغانم والمكاسب) كان يمكن أن تُساهم في رفد الاقتصاد الوطني وفي دفع التنمية الاجتماعية، كان يمكن أن تُحدث توازناً طبقيّاً معقولاً في المجتمع ببناء مشاريع تنموية واقتصادية تستهدف الطبقات الدنيا، وأن تُساهم في الحدّ من الفقر والفاقة، وأن تفعل الشّيء الكثير فيما لو كانت ضريبة الخمس الدينية تخضع لنظام تدوير يجلب الخير والمنفعة لهذا المجتمع، لا أن يتمّ استنزافها في مصالح فردية أو تهريبها للخارج، كان يمكن الاستفادة من الأخماس - مع أني لستُ معنياً بها - فيما لو خضعت للرقابة والشفافية والمحاسبة، كما يحدث في أية شركة أو مصرف، ولكن على منْ تعزف مزاميرك يا داوود؟ لا محاسبة ولا هم يحزنون.
المتاجرة بالدين و.. بالموروث الشّعبي
لهذا يمكن القول إن النظام المتّبع في التعامل مع الخمس يجعل من السّرقة غير واضحة المعالم، ولا يمكن إثباتها - أو إنكارها طبعاً- حتى لو اختلست الملايين من هذه الموارد الضّخمة التي كان يُقدّر لها أن تضيع هباءً منثوراً أو تختفي بقدرة قادر لتتحوّل إلى أرصدةٍ لهذا الشيخ أو تلك الملة بعد أن يُقال أنه ينتمي إلى عائلة ارستقراطية وغنية. في الحقيقة أنا أحسدُ رجال الدين، فلا أحد إطلاقاً بإمكانه أن يحصل على كلّ هذه الحظوة التي يمتاز بها، فإلى جانب موارد الخمس التي يتقاسمونها هنالك أيضا خيارات لا تقلّ أهمية عن الأخماس. فالاشتغال بالوعظ والقراءة الحسينية يمثل هو الآخر مورداً ماليّاً ضخماً. يكفي أنْ يحفظ «كم» بيت و«كم» كلمة هنا أو هناك حتى يعتلي المنبر ويُقدّم وجبة «ليست شهية تماما» من الفانتازيا والأحاديث الشعبية والشفهية الساذجة جدّاً، فتتردّد همهمات العجائز بالموافقة والتأييد.
لكلّ وجبةٍ يقدّمها ثمن خاص، يتراوح بين 500 ريال إلى 2000 ريال، حسب اعتبارات عدة. فالقراءة في محرم أرفع ثمنا بطبيعة الحال من القراءة في غيره، ويمكن أن يخضع الأمر لسوق مزاد على خطيبٍ واحد يمتلك صوتاً جهوريّاً وطلة بهية وعمامة ملتفة بإتقان ولحية كثة وشارباً منتوفاً وظهراً محدودباً إلى حدّ ما. هذا الخطيب بهذه المواصفات سيكلف بلا شك مبلغ وقدره.. (أترك ذلك لمخيلة القارئ) في موسم محرم وحده وفي مجلس واحد، أما إذا كان هذا الخطيب رجلا متمكّناً، وشاباً فإن بإمكانه أن يقرأ في الليلة ثلاثة أو أربعة مجالس فبذلك يتضاعف ذلك المبلغ «وقدره..» ثلاث أو أربع مرات. وفي هذه الأيام خرج علينا أحدهم بتقليعة جديدة، إذ دعا إلى إحياء عشرة أيام في ذكرى وفاة الإمام جعفر الصادق سمّاها بالعشرة الجعرفية، لكن هذا المعمّم في الحقيقة كان يهدف من جملة ما يهدف رفع المدخول عبر زيادة أيام القراءة. لا تعجبوا أيها السادة فهذه هي الحقيقة. أما أنا فسأسأل هنا: هل تنقصنا أيام الأحزان والمصائب لنزيد عليها؟ عشرة كاظمية وأخرى رضوية، والأيام الزينبيّة والفاطمية و... كم بقي من أيام السنة؟.
وبينما يحرصُ رجال الدين على مبدأ العمل التطوعي ويحثّون عليه، نجدهم لا يقومون بأبسط عمل من دون مقابل. فإلى جانب استغلالهم ريع ضريبة الخمس نجدهم يتاجرون حتى بالعذابات، يتحيّنون الفرص من أجل مضاعفة الثروة حتى وإنْ كان عملاً يحمل في طيّاته قسوة حفّار القبور الذي ألِفَ مواراة الميت وإهالة التّراب عليه، ولعلنا نعرف جميعاً أن بين رجال الدين «الخطباء منهم» عُرفٌ خاصُ لدى حدوث أي حادثة وفاة، ففيما أهل المصاب يذرفون الدموع يأتي أحدهم وإن لم يكن على صلةٍ بأهل المتوفى، ليُشارك مصطنعاً الحزن بعضَ المراسم في الجنازة لكي يُطلب إليه إحياء محفل العزاء «الفاتحة» مقابل مبلغ وقدره ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف أو خمسة آلاف حسب مكانة القارئ وصوته وهندامه وطبقته و...! إنه اتجار بالألم يحمل في طيّاته قسوة وغلاظة بعيدة كلّ البعد عن الرّقة وخفّة الرّوح اللازمة لمدّعي القداسة والتورّع والتقوى. هل يجب أن يُحيي هذه الاحتفالات رجل دين لا يجيد سوى الهذيان والتخريف والطرح الساذج والذي في مجمله عبارة عن قصص كتلك التي نجدها في الموروث الشعبي الشفهي؟. أما إذا كان ولابد فليكف هذا المدعي القداسة عن اعتبار نفسه رجلاً من خامة القديسين والكروبيين وليعترف لنفسه قبل الآخرين بأنه لا يختلف كثيراً عن أيّ تاجر أو صاحب مهنة يتكسّب لمعيشته، ولكن بعد أن تخفض هذه المبالغ لأنها مبالغ فيها، ولا أظن أحداً يقرّ بأن بضع كلمات أو أبيات لمدة نصف ساعة فقط تستحق هذا القدر من المال.
فرسول الإسلام وأهل بيته وصحابته الكرام لم يركزوا كثيرا على قشر الدين أثناء الدعوة لتبليغ رسالة الإسلام قدر تركيزهم على لب الدين. فهم لم يهتموا – على سبيل المثال - بحفظ آيات القرآن قدر اهتمامهم بتفسيره وفهمه والتدبر في آياته، لكن الحفظة زادوا في السنوات التي تلت الخلافة الراشدة بعد أن باتت عملية الحفظ تهيّئ لصاحبها مكانة اجتماعية مرموقة.
إنّ وجود علاقة بين اللب وبين القشر أو بين الحقيقة والشريعة، يشير إلى وجود علاقة بين الفقه والعرفان أو بين جوهر الدين ووسيلة الوصول إلى ذلك الجوهر. فالأنبياء والرسل لم يكن هدفهم فقط إيصال رسالة الشريعة للناس، والمؤمن لا يكون مؤمنا لمجرّد التزامه بالقشر والشريعة دون السعي للولوج في جوهر الدين، لكن المجتمعات الإسلامية باتت تطلق وصف المؤمن على كل من يلتزم بقشر الدين باعتبار أن القشر اصبح هو ميزان الإيمان.
فمظهر الإنسان الخارجي، كإطلاق اللحى وتقصير اللباس، أصبح من لوازم هذا الوصف، والحضور إلى المساجد ودور العبادة بات في معظم الأحيان كافيا لإطلاق كلمة مؤمن على شخص ما، والنتيجة أن الهدف الرئيسي من الإيمان، والمتمثل في بناء إنسان بأبعاد أخلاقية وقيمية إنسانية بفضل الارتباط الروحي مع الله، أصبح في مرتبة تالية من الأهمية، بل في كثير من الأحيان قد لا يكون ذي أهمية.

فرجال الدين بشر ككل البشر، لم يكلفهم الله ولا رسله وأنبياؤه سوى أن يغيروا ككل البشر ما بأنفسهم(تحت طائلة كفرهم وإلحادهم) حتى يتدخل الله ويغيرهم.
فرجال الدين لن يكونوا رسلا ً أكثر من الرسل الذين كلفهم الله بصراحة النص في مشروعه وبقي الفسق كثيرا ً، فكيف برجال الدين الذين لم يرسلهم أحد لا مبشّرين ولا منذرين؟!

أقول في الختام: نحن لا نريد إلغاءهم، بل كلّ ما نصبوا إليه هو إعادتهم إلى حجمهم الطبيعي ليمارسوا أدوارهم كمثل أي شريحة أخرى من دون أي زوائد تضفي عليهم مهابة أو كاريزما دينيّة.

من كتابات نذير الماجد ومراجع من منتدي تنوير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


يقول الامام علي عليه السلام(اذا تشبه صاحب الرياء بالمخلصين في الهيئة كان مثل الوارم الذي يوهم الناس انه سمين فيظن الناس ذلك فيه وهو يستر ما يلقي من الالم التابع للورم)

هذه حال المجتمعات حاليا للاسف ولكن كما ذكرت اخي انه هناك ظواهر سيئة تسيء للبقية ولايمكن التعميم فكما هو الحال في شتى مجالات الحياة هناك السيء وهناك الحسن وان كان السيء هو الغالب فلنامل ان يتبدل الحال ويكون الاحسن هو الغالب وهذا دور المثقفين في المجتمعات الحالية تسليط الضوء على الظاهرة السيئة لا من باب التشهير والتنكيل فيكون حالهم كما وصفهم الامام بقوله:( --الاشرار يتبعون مساوىء الناس ويتركون محاسنهم كما يتبع الذباب المواضع الفاسدة---)--وانما من باب الاصلاح ونشر الفضيلة
والله سبحانه وتعالى يحاسب الانسان على نواياه في الاعمال والافعال ويجب ان تكون خالصة لوجه الله تعالى--لقد سبق لجنات عدن اقوام ماكانوا اكثر الناس صلاة ولا صياما ولا حجا ولا اعتمارا ,ولكن عقلوا عن الله امره فحسنت طاعتهم وصح ورعهم وكمل يقينهم ففاقوا غيرهم بالحظوة ورفيع المنزلة--


شكرا وتقبل مروري

أضف رد جديد

العودة إلى ”الفرق والمذاهب والاديان“