التنزيليّون والماديّون والموحّدون
مرسل: الجمعة 19-8-2011 1:40 am
التنزيليّون والماديّون والموحّدون
ربما تكون مظاهر معتقدات الناس وطرائقها قد تغيّرت عبر التاريخ المعروف، لكن طبائعهم لم تتغيّر، وهي لا تتغيّر.
ان الطبائع الثلاثة، كما وصَفَتها الـ غيتا، وصفتها بالنظر الى ما دَرَج من من ممارسات في ذلك الزمان، فلا بدّ اذاً ان نتساءل اليوم، هل لهذه النظرة نظرة موازية في الكتب المقدّسة والحكمة؟
انّ البشر اليوم ينقسمون الى ثلاث مجموعات بحسب أُطُر معتقداتهم: التنزيليّون والماديّون والموحّدون... سنكتفي الآن بإلقاء الضوء على هذه المعتقدات من وُجهة نظر العلل الثلاث.
ان التنزيليّين، على تعدُّد دياناتهم وطوائفهم وطقوسهم وشعائرهم وشرائعهم، يبتدئون بالتسليم بمُعطَياتٍ غير مبنيّة على البرهان، فإن هذا يُضعِفَهم جميعاً في اطار اللاعقلانية التي يُسمّونها ايماناً، فإننا نقول: انّها لو كانت ايماناً لَهَدَت بصائرَهم الى الحقّ عينه، الذي يقولون جميعاً انهم يؤمنون به، ولكنّ الواقع انها جذبت انظارهم الى مظاهر مختلفة حسبوها حقاً، فكانت سبباً لاختلافهم وعداواتهم.
انّ اللاعقلانيّة لا تحاول فَهْم الاشياء، ولا ترى قانوناً لأي شيء، لأنّها ترى ارادة الخالق (جلّ وعلا) اعتباطية، تعالى على وصفهم، وصفوه باوصافهم الناقصة، وهو الرحمة والكمال. ولقد اوضحنا لكم في صفحات سابقة انّ ما سُمّي بخطيئة آدم الاولى لم يكن عصياناً لقانون اعتباطيّ، كما يرويها التنزيليون، لكنّ القصّة وردت في الكتاب مُبَسّطة، رحمة بعقولهم الضعيفة، فانّهم، وحتى بعد شرحنا لها لن يفهموها.
انّ الطبع السكوني التي تتحدّث عنه الغيتا هو ما تأتي منه اللاعقلانيّة، وكل المعتقدات التنزيلية اليوم.
امّا الماديّون، فهم لا يقرّون بوجود الا للمادّة، وهم يردّون كلّ ظاهرة الى عِللها الطبيعية، وهكذا استطاعوا بالتحليل الفكري ان يستخلِصوا قوانيناً طبيعيةً للتظاهر الكوني، الّا ان المعتقدات المادية ليست عقلانيّة، فإنّ العقل بالنسبة لها هو وليدُ الطبيعة المادية التي لا مُحرِّك لاحداثها عدا العشوائية. انّ العشوائية عند الماديّين هي مَثيل الاعتباطيّة عند التنزيليّين.
ان الطبع الحركي في الغيتا هو الذي يولِّد العقائد الماديّة بشتّى اسمائها وتوجّهاتها الفكرية والدنيويّة. انّ الحضارات التي في طبع السكون اليوم هي الحضارات التي فَشِلَت حتى عن فهم الطبيعة وعِللها وقوانينها، وعندما يُغلَق باب العقل وباب الفكر التحليلي، تتفتّح ابواب اللاعقلانيّة لكلّ الادّعاءات، وتاخذ الخُرافات والاوهام مكام الوقائع.
واما الحضارات التي في طبع الحركة اليوم، فهي التي حقّقت انجازاً ماديّاً وتفوّقاً تِقَنيّاً، الا انها فشلت بأن ترى كُنها للحياة والوجود.
انّ الحكمة الشريفة تُسمّي هذين الاطارَيْن تلحيداً، وانّ كلمة تلحيد، لغويّاً، تعني الخروج على الخطّ المرسوم. فأمّا التوحيد فانّه يستحيل وصفه شاملاً، فانّه مَرْتَبة روحية ادراكيّة وجدانيّة، فإن المعتقدات التي يُمكن ان تُعَرَّف بجدولٍ من المسلّمات والاقتناعات والمقولات والواجبات والمُنهَيات هي كلّها من قبيل التلحيد، فهي عَرَضٌ من الحقّ في مكانٍ ما وزمان.
انّ الموحدّين هم الذين عرفوا مولاهم اوّل مرّةٍ، وانّ المُشهادة هي برهان البراهين، وهي فعل تقوم به البصيرة وليس اللسان، فوجبت قلوبهم وجذبهم اليه، وخشعوا رهبة جلاله وجماله، وعلّمهم الحقيقة والمعرفة والوجود والتنزيه.
انّ الموحّدين يرون الوجود حقّاً في نفوسهم، هذا الحق الذي هو ارادة الرب (جلّ جلاله) ...
انّ الحق سابق الامكان، وانّ الامكان سابق الاعتباط والعشوائية التي هي عَرَض، لذلك فإن الاعتقاد بالاعتباطيّة او العشوائيّة إشراك، وامّا الحقّ فهو الإيمان.
انّنا اذا مثّلنا الحياة الدنيا بِكُرةٍ يقف البشر على سَطْحِها الداخلي، فإنّ الحق هو مركز الكُرة، وكلّ نفسٍ وكلّ شيء على سطح الكُرة شعاع من ذلك المركز، فإن التنزيليّون هم جماعات، كلّ جماعة تسكن نُقطة ماء يرونها نقطة الصواب حصراً، التي لن يرفعهم المولى الى جنّته ما لم يجِدْهم عليها؛ والماديّون هم الهائمون على سطح الكُرة من نقطةٍ الى اخرى بحثاً عن السعادة عليها؛ واما الموحّدون فهُم الذين يستطيعون النظر عالياً الى مركز الكرة من ايّة نقطة شاؤوا، فهُم يعلمون انّهم وكلّ شيء اشعّة المركز عينه، وهم ينجذبون اليه بالمحبة.
منقول
ربما تكون مظاهر معتقدات الناس وطرائقها قد تغيّرت عبر التاريخ المعروف، لكن طبائعهم لم تتغيّر، وهي لا تتغيّر.
ان الطبائع الثلاثة، كما وصَفَتها الـ غيتا، وصفتها بالنظر الى ما دَرَج من من ممارسات في ذلك الزمان، فلا بدّ اذاً ان نتساءل اليوم، هل لهذه النظرة نظرة موازية في الكتب المقدّسة والحكمة؟
انّ البشر اليوم ينقسمون الى ثلاث مجموعات بحسب أُطُر معتقداتهم: التنزيليّون والماديّون والموحّدون... سنكتفي الآن بإلقاء الضوء على هذه المعتقدات من وُجهة نظر العلل الثلاث.
ان التنزيليّين، على تعدُّد دياناتهم وطوائفهم وطقوسهم وشعائرهم وشرائعهم، يبتدئون بالتسليم بمُعطَياتٍ غير مبنيّة على البرهان، فإن هذا يُضعِفَهم جميعاً في اطار اللاعقلانية التي يُسمّونها ايماناً، فإننا نقول: انّها لو كانت ايماناً لَهَدَت بصائرَهم الى الحقّ عينه، الذي يقولون جميعاً انهم يؤمنون به، ولكنّ الواقع انها جذبت انظارهم الى مظاهر مختلفة حسبوها حقاً، فكانت سبباً لاختلافهم وعداواتهم.
انّ اللاعقلانيّة لا تحاول فَهْم الاشياء، ولا ترى قانوناً لأي شيء، لأنّها ترى ارادة الخالق (جلّ وعلا) اعتباطية، تعالى على وصفهم، وصفوه باوصافهم الناقصة، وهو الرحمة والكمال. ولقد اوضحنا لكم في صفحات سابقة انّ ما سُمّي بخطيئة آدم الاولى لم يكن عصياناً لقانون اعتباطيّ، كما يرويها التنزيليون، لكنّ القصّة وردت في الكتاب مُبَسّطة، رحمة بعقولهم الضعيفة، فانّهم، وحتى بعد شرحنا لها لن يفهموها.
انّ الطبع السكوني التي تتحدّث عنه الغيتا هو ما تأتي منه اللاعقلانيّة، وكل المعتقدات التنزيلية اليوم.
امّا الماديّون، فهم لا يقرّون بوجود الا للمادّة، وهم يردّون كلّ ظاهرة الى عِللها الطبيعية، وهكذا استطاعوا بالتحليل الفكري ان يستخلِصوا قوانيناً طبيعيةً للتظاهر الكوني، الّا ان المعتقدات المادية ليست عقلانيّة، فإنّ العقل بالنسبة لها هو وليدُ الطبيعة المادية التي لا مُحرِّك لاحداثها عدا العشوائية. انّ العشوائية عند الماديّين هي مَثيل الاعتباطيّة عند التنزيليّين.
ان الطبع الحركي في الغيتا هو الذي يولِّد العقائد الماديّة بشتّى اسمائها وتوجّهاتها الفكرية والدنيويّة. انّ الحضارات التي في طبع السكون اليوم هي الحضارات التي فَشِلَت حتى عن فهم الطبيعة وعِللها وقوانينها، وعندما يُغلَق باب العقل وباب الفكر التحليلي، تتفتّح ابواب اللاعقلانيّة لكلّ الادّعاءات، وتاخذ الخُرافات والاوهام مكام الوقائع.
واما الحضارات التي في طبع الحركة اليوم، فهي التي حقّقت انجازاً ماديّاً وتفوّقاً تِقَنيّاً، الا انها فشلت بأن ترى كُنها للحياة والوجود.
انّ الحكمة الشريفة تُسمّي هذين الاطارَيْن تلحيداً، وانّ كلمة تلحيد، لغويّاً، تعني الخروج على الخطّ المرسوم. فأمّا التوحيد فانّه يستحيل وصفه شاملاً، فانّه مَرْتَبة روحية ادراكيّة وجدانيّة، فإن المعتقدات التي يُمكن ان تُعَرَّف بجدولٍ من المسلّمات والاقتناعات والمقولات والواجبات والمُنهَيات هي كلّها من قبيل التلحيد، فهي عَرَضٌ من الحقّ في مكانٍ ما وزمان.
انّ الموحدّين هم الذين عرفوا مولاهم اوّل مرّةٍ، وانّ المُشهادة هي برهان البراهين، وهي فعل تقوم به البصيرة وليس اللسان، فوجبت قلوبهم وجذبهم اليه، وخشعوا رهبة جلاله وجماله، وعلّمهم الحقيقة والمعرفة والوجود والتنزيه.
انّ الموحّدين يرون الوجود حقّاً في نفوسهم، هذا الحق الذي هو ارادة الرب (جلّ جلاله) ...
انّ الحق سابق الامكان، وانّ الامكان سابق الاعتباط والعشوائية التي هي عَرَض، لذلك فإن الاعتقاد بالاعتباطيّة او العشوائيّة إشراك، وامّا الحقّ فهو الإيمان.
انّنا اذا مثّلنا الحياة الدنيا بِكُرةٍ يقف البشر على سَطْحِها الداخلي، فإنّ الحق هو مركز الكُرة، وكلّ نفسٍ وكلّ شيء على سطح الكُرة شعاع من ذلك المركز، فإن التنزيليّون هم جماعات، كلّ جماعة تسكن نُقطة ماء يرونها نقطة الصواب حصراً، التي لن يرفعهم المولى الى جنّته ما لم يجِدْهم عليها؛ والماديّون هم الهائمون على سطح الكُرة من نقطةٍ الى اخرى بحثاً عن السعادة عليها؛ واما الموحّدون فهُم الذين يستطيعون النظر عالياً الى مركز الكرة من ايّة نقطة شاؤوا، فهُم يعلمون انّهم وكلّ شيء اشعّة المركز عينه، وهم ينجذبون اليه بالمحبة.
منقول