صفحة 1 من 1

تخبط الإنسانية و ضرورة التحول الروحي

مرسل: الثلاثاء 6-9-2011 8:58 pm
بواسطة faraj
تخبط الإنسانية و ضرورة التحول الروحي

إذا حاولنا تقصِّي الخلل الذي يؤدي إلى تخبط الإنسانية وعجزها عن تحقيق تطورها الدينامي نحو الغاية المنشودة – إذا حاولنا تقصِّي هذا الخلل على مستوى الإنسان، نرى أنفسنا منقادين إلى البحث في الطبيعة الثنائية الظاهرية للإنسان الذي يتألف من طبيعة فيزيائية وحيوية، تعيش وفق الغرائز والرغبات والنزعات والانفعال، وطبيعة أخرى واعية، عاقلة، مفكِّرة، أخلاقية، جمالية، فاعلة، قادرة على وعي ذاتها وطبيعتها. إن هدف الطبيعة المادية هو زيادة التملُّك المادي وتحقيق الملذات الحيوية؛ أما الجزء الواعي فيعمل على تفتُّحه الداخلي من أجل زيادة ملَكاته وتحقيق سعادته بذكاء وجمال وأخلاق. ويعود فشل الإنسان إلى كونه مازال عاجزًا عن تحويل تركيزه وإرادته عن الكينونة المادية، مستعينًا بقوة العقل أحيانًا، ولكن بشكل جزئي ومحدود ونكوصي، لا بشكل تفتُّحيٍّ ومتسامٍ. لقد وظَّف الإنسان معرفته كلَّها من أجل الحياة المادية وممارساتها وفعاليتها وملكياتها وملذَّاتها. أما اليوم، فنشهد بداية العودة إلى المثال الأول، ألا وهو استعمال العقل والقيم الأخلاقية والجمالية من أجل تنظيم حياة الفرد والمجتمع والعالم.

ولكن اليقظة الحقيقية تتطلب، أولاً، أن نعرف حقيقة ذاتنا لأن طبيعتنا العليا وذاتنا – ذاتنا المختبئة والمنطوية – هي ذات روحية تستطيع أن توظف كينونتنا العقلية من أجل تعديل المسار وتحويل طبيعتنا المادية والفيزيائية. إن سرَّ التحول الروحي يكمن في نقل مركز حياتنا إلى وعي أعلى. ويتطلب هذا التحول وجود الفرد القادر على الرؤية وتنمية ذاته وإعادة خلقها على صورة الوعي الأعلى، وعلى نقل معرفته، من بعدُ، إلى الآخرين. ويجب أن تكون الروح الخاصة بالجماعة قد شكَّلت وعيها الجماعي، بحيث لا تكون مضطرة، بفعل قصورها وسوء تحضيرها، إلى التوقف والسقوط قبل حدوث التحول الفعلي.

إذا كان على الإنسانية أن تترَوْحَن، عليها، أولاً، أن تكفَّ عن كونها مادية أو حيوية. وهذا التحرك الذي يتم بصعوبة من المادة إلى الروح هو مرحلة هامة في تطور الإنسانية. وإن السعي لإتمام هذا التحول بشكل مفاجئ وسريع هو أحد أسباب فشل المحاولات القديمة لرَوْحَنة الإنسان. أما اليوم، فإن الإنسان يدرك أنه استنفد إمكانية التعامل مع الحياة على مرتكَز أن المادة هي الحقيقة النهائية للعالم، ويدرك أن التعامل على هذا الأساس رسَّخ الأنانية الفردية وعمَّق الشرخ بين الإنسان والطبيعة.

الارتقاء الروحي

إن تكوين الكائن الإنساني النفسي والعقلي يشير إلى طاقات كامنة فيه لما تتفتح بعد. فالإنسان مكوَّن وفق صورة أصلية: آدم أولي، عين ثابتة كلِّية، ونموذج بدئي كوني. ولهذا فإن الإنسان محمَّل بمسؤولية كبرى، هي تركيز لمسؤولية كونية في تحقيق تفتح لروح الكون وإفصاح لها. بعبارة أخرى، فإن الإنسان مرآة معرفة الذات للذات. وتطور الإنسان هو جلاء هذه المرآة أكثر فأكثر، لتصبح قدرة على عكس نور ألطف وأشف.

وإن كان التطور الروحي للإنسان لا يُلحَظ عبر تاريخنا الطويل إلا من خلال تحقيقات فردية نادرة، لكننا لا نستطيع إلا أن نلحظ تطورًا روحيًّا جمعيًّا في تبلور نفسانية كلِّية أقدر على تعميم التجربة الفردية وعلى تمثُّلها. وهذا التطور الروحي الجمعي يتلخص بكلمات بسيطة: إنه الانبثاق المستمر عبر العصور لإنسانيات أكثر فأكثر مقدرة على التمييز والشعور والفهم. وفي الحقيقة يتبطن هذا التطور الجمعي على استئثار حقيقي بالنماذج البدئية الأصلية، وعلى طرح كافة الشذوذات التي يمكن أن تشوش صورتها، بما هي الينبوع الذي يُمِدُّنا إمدادًا مستمرًّا بالشكل المعرفي العام، وبما هي الخزان الذي تعود كافة معارفنا فتنصهر فيه.

ومن هنا، فإن المعرفة الإنسانية، في أقصى تجلِّياتها، ليست نهجًا منطقيًّا، وليست المعلومات المحصَّلة، وليست العلم والفلسفة والعقائد، بل هي التجربة الذاتية وقد عُمِّمَتْ عبر المشاركة في لاوعي جمعي واحد وكلِّي؛ بل هي، في شكل من الأشكال، هذه الخلفية ذاتها: النمط البدئي الكوني نفسه وقد أبصر نفسه. وهذه المعرفة الجديدة المنبثقة عن هذه الخلفية الكلِّية، عن هذا الإشعاع الكوني، لا يستطيع إنسان بعينه الإفصاح عنها أو حجبها؛ وهي، من جهة أخرى، محرِّض كلِّ إبداع معرفي فردي.

المعرفة الروحية في جوهرها، إذن، معرفة جمعية، نادرًا ما تتحقق على مستوى الفرد. ذلك أنها معرفة تطورية بالدرجة الأولى، معرفة غير فكرية أو نفسية فقط، بل كلِّية، تشمل الإنسانية جمعاء. ومن هنا فإن تحقيق الفرد لهذه المعرفة يُعَدُّ بمثابة تواحده مع الإنسانية والكون. بل إن معرفته هذه نفسها تنعكس على الإطار الروحي للإنسانية. كذا فإن هذه المعرفة، بما هي لا تخضع لمعاييرنا ولمقاييسنا، تتفلَّت دومًا من إطار التحديد والنمذجة. ولهذا علينا أن نتوقع بكلِّ تأكيد بروز معرفة جديدة في المستقبل، معرفة غير فكرية وغير منطقية ولا تخضع لمناهجنا الحالية، وذلك عندما تنصهر معرفتنا الحالية تمامًا في بوتقة تطورنا الروحي.

مستقبل ارتقاء الكائن الإنساني

على الرغم من تمايز العقل والنفس إبان مسيرة التطور الطويلة، لكنهما ظلا ينموان سوية نموًّا متناغمًا حتى فترة قريبة، ترجع إلى آلاف قليلة من السنين فقط. فعندما بدأ العقل يبني مجرداته الخاصة – وتحديدًا منطقه الفلسفي المجرد – حَكَمَ على نفسه بالانعزال عن النفس. لقد اشتد عود العقل ونما بسرعة، وبنى صرحًا هائلاً من المنطق، توَّجه بإنجازات علمية رفيعة. لكن ذلك لا يعني أن النفس توقفت عن النمو. غير أن نموَّها خضع لتخلخل مستمر، مازال يتفاقم حتى الآن. فإن كان العقل قادرًا على إيهامنا بإنجازاته بقوته وتوازنه، فإن النفس لم تفلح يومًا في إخفاء ضعفها بعد ابتعاد العقل عنها؛ وهي لا تفتأ تناشده العودة إليها والاستماع إلى خبرتها الطويلة العريقة. وفي الحقيقة فإن النفس تُعَدُّ بوتقة الإنسان التي تتبلور فيها طاقاتُه الجديدة. وكما أن العقل بزغ في النفس، كذلك فإن طاقة جديدة تتحضر اليوم فيها للانطلاق؛ وهي طاقة وعي أعلى دون شك. ومشاركة العقل في تفتحها أمر لا بدَّ منه لكي تأتي كاملة.

ومع ذلك، فثمة كيان أوسع بكثير من نفوسنا وعقولنا الفردية. وهذا الكيان هو ما يمكننا دعوته بـ"العقل الجمعي" الذي لم ينفصل – ولن ينفصل أبدًا – عن النفس الجمعية. وهذا العقل الجمعي هو أملنا الحقيقي في مستقبل تطورنا لأنه – إذا صحَّ القول – على صلة مباشرة بلاوعينا الجمعي.

إن المعرفة الإنسانية ليست مجرد كمٍّ من المعنى، بل هي أيضًا الشكل الفنِّي أو الذاتي لهذا المعنى. وبعبارة أخرى، فإن معرفتنا الحالية هي معرفة آنية يمكن تجاوزها معلوماتيًّا في المستقبل. لكن هذه المعرفة ذاتها، بما هي طاقة نفسية وعقلية، ستظل فاعلة في السيرورة التطورية المعرفية للإنسان من خلال شكلها الفني أو ذاتيتها التي ستذوب وتنصهر في بوتقة عقلنا الجمعي.

إن غرور الإنسان في بداية القرن الواحد والعشرين، وتسلطه واعتقاده أنه بات سيد الطبيعة وأن كلَّ ما فيها مسخَّر له، وأن المعرفة باتت قاب قوسين أو أدنى منه، وأن علومه ستفك في القريب العاجل أسرار الحياة والوجود – ذلك كله أنساه أنه لا يزال يصعد، شاء أم أبى، سلَّم التطور، وأن عقلاً فوقيًّا سيبرز إبان آلاف السنين المقبلة، وإنسانًا جديدًا، أعظم مقدرة وأكثر تفتحًا منَّا، وأكثر توازنًا دون شك، سيولد في مستقبل ليس بالبعيد. ولا شك أن هذا الإنسان سيتجاوز علومنا وعقائدنا ومناهج تفكيرنا، وسيبني من جديد "أسطورته"!



إن كلَّ ما يمكننا عمله اليوم، وما يجب علينا عمله، ليس المضيَّ في علومنا التطبيقية العشوائية والإغراق في نتائجها، بل فهم موقعنا من الطبيعة، والعمل على إتاحة الفرصة للإنسان المقبل أن يأتي، لأنه سيحتاج بالتأكيد إلى الطبيعة كما احتجنا إليها، ولأنه سيحتاج إلينا أيضًا كما احتجنا إلى أسلافنا.
وتتابع الإنسانية اليوم سيرورة التسامي بالمادة والعقل والحياة من أجل استحضار إمكانات أعلى تعبِّر جميعًا عن الماهية الروحية الواحدة. ولا شكَّ أن هذه العملية مغامرة حافلة بالشكِّ وبالمخاطر. وستتردد الإنسانية طويلاً قبل أن تجد نفسها...

وقد لا تجد نفسها، فتعود لتكرار دور جديد!
منقول

تخبط الإنسانية و ضرورة التحول الروحي

مرسل: الثلاثاء 6-9-2011 9:32 pm
بواسطة السور الاعظم
شكرا جزيلا استاذنا الكريم للطرح القيم --مهم دور الانسان وأدواته في هذا التطوير يقول ألأمام عليه السلام ( الفكرة تورث نورا و الغفلة تورث ظلمة ). يقول لنا ألأمام عليه السلام أيها الأنسان استعمل عقلك و لا تخاف من الفكرة بل أعمل لها فالفكر هو تطور الحياة

تخبط الإنسانية و ضرورة التحول الروحي

مرسل: الخميس 8-9-2011 12:26 pm
بواسطة بيلسان
[background=41,80]


دوما تتحفنا اخي الكريم فرج بما هو قيم بأرتقاء النفس نحو الافضل ودور العقل في مواكبة ذلك الرقي
لايزال العقل هو الاصل فاان غاب غابت هوية النفس ولذلك يقظة العقل عامل محفز للبناء والتطور

هديتم لكل خير
[/background]