عندما تـــهــاجــــم الجـــزئــــيـات العــقل ماذا تفعل ؟؟
مرسل: الجمعة 25-10-2013 6:12 pm
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
القواعد الكلية لفقه الحضارة : لماذا القواعد الكلية؟
د. محمد باباعمي
----------------------------------
إنَّ الجزئيات عندما تهجم على العقل تشتته، وتمنعه من ترتيب المعلومات وتنظيمها، ولعلَّ من أخطر إشكالات العصر كثرة المعلومات، والتفاصيل، والجزئيات؛ وضعف التحليل والتركيب، ولذا كان لزاما على العقل أن يلوذ بقواعد كلية، وقوانين، ومبادئ، تساعده على التركيز، وتدفعه إلى الفعالية؛ ومن تم جاءت أهمية صياغة القواعد الكلية في جميع الفنون والعلوم؛ من بينها "فقه الحضارة".
ومن أبرز ثمرات القواعد الكلية نسجل:
1. اكتساب النظرة الشمولية الكلية.
2. التعامل مع الرؤية الكونية بوعي.
3. إيجاد ميزان ومعيار للحكم، في مناحي الحياة كلِّها.
4. النجاة من إشكالات "اللفظية"، و"الحروفية"، و"النصية"؛ أو ما يعبِّر عنه جيب "بالذَّرية"
5. الاستفادة من التخصص منهجا، دون الإغراق فيه معتقدا وقناعةً.
6. ضمان ديناميكية الفكر، والتوجه الحركيِّ، المؤسَّس على تلك المعرفة.
7. منع التشتت بين التفاصيل التي لا نهاية لها، وطرح ما لا فائدة منه، وعدم الاكتراث به، مما يكسب الجهد والوقت والطاقة.
8. اكتشاف القواسم المشتركة، ونقاط التلاقي، مع كافة المتعاملين والشركاء، إلى حدِّ تحقيق شروط "الجماعة العلمية".
9. منح ذلك المجال صفة "العلم" القادر على التطبيق في سياقات مختلفة.
يقول مالك بن نبي: "ليست التربية من إنتاج المتعالِمين وبحار العلوم، الذين يعرفون جميع كلمات المعاجم، دون أن يلمُّوا بما تترجم عنه هذه الكلمات من وقائع، خيرًا كانت أم شرًّا، وأولئك الذين يعرفون جميع المبادئ والتعاليم التي جاءت في الإسلام، دون أن يستطيعوا تطبيق مبدأ أو تعليم واحد لتغيير أنفسهم، أو تغيير بيئتهم. فكلُّ حقيقة لا تؤثِّر على الثالوث الاجتماعيِّ: الأشخاص، والأفكار، والأشياء، هي حقيقة ميِّتة. وكلُّ كلمة لا تحمل جنين نشاط معيَّن، هي كلمةٌ فارغة، كلمة ميِّتة مدفونة في نوع من المقابر، نسمِّيه: القاموس"
أمَّا فتح الله كولن فيقول: "وفي حقيقة الأمر، فشلُك في النظر إلى المسائل من خلال "نظرة كلِّية" ، سوف يؤدّي حتمًا إلى الإفراط أو التفريط.. ونجد اليوم أنَّ "للنظرة الكلِّية" دورا مهمًّا في مطالعة العلوم (الوضعية والإنسانية) وتقييمها... أو بعبارة أخرى، النظر من خلال القواعد الكليَّة هو الأساس، بينما تقييم الوجود (الكون) وتحليله وقراءته يتمُّ من خلال علاقة الجزء بالكلِّ.. لذلك إذا أخذتَ الجزئيات بنظر الاعتبار، أو حلّلتَ القضايا والظواهر الجزئية بغضّ النظر عن القواعد الكلّية، هناك سيختلّ الميزان، وسيفسد الانسجام الكلّي.." .
وفي حال السيرة النبوية، ما من شكٍّ أنَّ الذي يحفظ تفاصيلها، ويدبِّج الخطب العريضة في وصفها، ويكتب المقالات المطوَّلة حولها؛ لكن دون القدرة على "تحويل المعلومة إلى معرفة، والمعرفة إلى سلوك، والسلوك إلى دعوة"، هو مجرَّد ناقل، لا يصلح لبناء حضارة ؛ ومن ثمَّ يذكر الأستاذ "رشيد هيلماز"، وهو تلميذ للأستاذ فتح الله، ومتخصِّص في السيرة النبوية، أنَّ الأستاذ فتح الله يقول: "من خلال السيرة النبوية، ومِن أبسط الجزئيات، أستخرج قواعد كلية للحركية، وأعالج إشكالات معقَّدة، بدونها لم أكن لأهتدي إلى الحلِّ؛ وكلَّما اعترضني مشروع أو قضية أعرضها على كلام الله، وعلى سنَّة المصطفى، وعلى سيرته العطرة؛ ثم على تراث الأمَّة والبشرية؛ لأخرج بجواب أقرب ما يكون إلى الصدق والفعالية
القواعد الكلية لفقه الحضارة : لماذا القواعد الكلية؟
د. محمد باباعمي
----------------------------------
إنَّ الجزئيات عندما تهجم على العقل تشتته، وتمنعه من ترتيب المعلومات وتنظيمها، ولعلَّ من أخطر إشكالات العصر كثرة المعلومات، والتفاصيل، والجزئيات؛ وضعف التحليل والتركيب، ولذا كان لزاما على العقل أن يلوذ بقواعد كلية، وقوانين، ومبادئ، تساعده على التركيز، وتدفعه إلى الفعالية؛ ومن تم جاءت أهمية صياغة القواعد الكلية في جميع الفنون والعلوم؛ من بينها "فقه الحضارة".
ومن أبرز ثمرات القواعد الكلية نسجل:
1. اكتساب النظرة الشمولية الكلية.
2. التعامل مع الرؤية الكونية بوعي.
3. إيجاد ميزان ومعيار للحكم، في مناحي الحياة كلِّها.
4. النجاة من إشكالات "اللفظية"، و"الحروفية"، و"النصية"؛ أو ما يعبِّر عنه جيب "بالذَّرية"
5. الاستفادة من التخصص منهجا، دون الإغراق فيه معتقدا وقناعةً.
6. ضمان ديناميكية الفكر، والتوجه الحركيِّ، المؤسَّس على تلك المعرفة.
7. منع التشتت بين التفاصيل التي لا نهاية لها، وطرح ما لا فائدة منه، وعدم الاكتراث به، مما يكسب الجهد والوقت والطاقة.
8. اكتشاف القواسم المشتركة، ونقاط التلاقي، مع كافة المتعاملين والشركاء، إلى حدِّ تحقيق شروط "الجماعة العلمية".
9. منح ذلك المجال صفة "العلم" القادر على التطبيق في سياقات مختلفة.
يقول مالك بن نبي: "ليست التربية من إنتاج المتعالِمين وبحار العلوم، الذين يعرفون جميع كلمات المعاجم، دون أن يلمُّوا بما تترجم عنه هذه الكلمات من وقائع، خيرًا كانت أم شرًّا، وأولئك الذين يعرفون جميع المبادئ والتعاليم التي جاءت في الإسلام، دون أن يستطيعوا تطبيق مبدأ أو تعليم واحد لتغيير أنفسهم، أو تغيير بيئتهم. فكلُّ حقيقة لا تؤثِّر على الثالوث الاجتماعيِّ: الأشخاص، والأفكار، والأشياء، هي حقيقة ميِّتة. وكلُّ كلمة لا تحمل جنين نشاط معيَّن، هي كلمةٌ فارغة، كلمة ميِّتة مدفونة في نوع من المقابر، نسمِّيه: القاموس"
أمَّا فتح الله كولن فيقول: "وفي حقيقة الأمر، فشلُك في النظر إلى المسائل من خلال "نظرة كلِّية" ، سوف يؤدّي حتمًا إلى الإفراط أو التفريط.. ونجد اليوم أنَّ "للنظرة الكلِّية" دورا مهمًّا في مطالعة العلوم (الوضعية والإنسانية) وتقييمها... أو بعبارة أخرى، النظر من خلال القواعد الكليَّة هو الأساس، بينما تقييم الوجود (الكون) وتحليله وقراءته يتمُّ من خلال علاقة الجزء بالكلِّ.. لذلك إذا أخذتَ الجزئيات بنظر الاعتبار، أو حلّلتَ القضايا والظواهر الجزئية بغضّ النظر عن القواعد الكلّية، هناك سيختلّ الميزان، وسيفسد الانسجام الكلّي.." .
وفي حال السيرة النبوية، ما من شكٍّ أنَّ الذي يحفظ تفاصيلها، ويدبِّج الخطب العريضة في وصفها، ويكتب المقالات المطوَّلة حولها؛ لكن دون القدرة على "تحويل المعلومة إلى معرفة، والمعرفة إلى سلوك، والسلوك إلى دعوة"، هو مجرَّد ناقل، لا يصلح لبناء حضارة ؛ ومن ثمَّ يذكر الأستاذ "رشيد هيلماز"، وهو تلميذ للأستاذ فتح الله، ومتخصِّص في السيرة النبوية، أنَّ الأستاذ فتح الله يقول: "من خلال السيرة النبوية، ومِن أبسط الجزئيات، أستخرج قواعد كلية للحركية، وأعالج إشكالات معقَّدة، بدونها لم أكن لأهتدي إلى الحلِّ؛ وكلَّما اعترضني مشروع أو قضية أعرضها على كلام الله، وعلى سنَّة المصطفى، وعلى سيرته العطرة؛ ثم على تراث الأمَّة والبشرية؛ لأخرج بجواب أقرب ما يكون إلى الصدق والفعالية